هل لتركيا مشروع في سوريا

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/05/24

يحوي القصف الروسي والسوري العنيف في شمال سوريا اليوم، بعضاً من الغضب اثر الهزيمة المذلة لهذا التحالف وميليشياته في بلدة كفرنبودة بالريف الحموي. ذلك أن تركيا استعادت هيبتها في هذه العملية، وأظهرت أن دورها ليس إلى انحسار، بل قد يتقدم بفعل المفاوضات والعمل الدؤوب على تدريب وتوحيد الميليشيات السورية المختلفة تحت راية "الجيش الوطني" في المنطقة التركية "الآمنة".

رغم أن العنصر الفصائلي فيها ما زال بارزاً، أظهرت هذه القوة العسكرية، قُدرة قتالية جيدة، وأسلحة متطورة نسبياً. من بين المشاهد القادمة من المنطقة، كان رتل مدرعات من طراز "بانتيرا أف 9" التي تتميز بسرعتها وبمعدات الاتصال المتقدمة فيها، وبقدرة فائقة على نقل المقاتلين في ساحات النزاع. وهذا مشهد قلّ نظيره على جانب المعارضة المسلحة الضعيفة التسليح والتنظيم، والأهلية الطابع.

دخول "الجيش الوطني" على الخط بدعم تركي، ومن منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" المحميتين تركياً، يؤشر إلى أهمية منطقة ادلب لأنقرة. أولاً لأن تركيا لا ترغب في أزمة لجوء جديد مصدرها 3 ملايين شخص يقطنون المنطقة، بل بالعكس، تريد ارساء استقرار يُعيد جزءاً مهماً من اللاجئين المقيمين على أراضيها.

وثانياً لأن أنقرة ترغب في اتساع رقعة المنطقة الخاضعة لهيمنتها بكل الاتجاهات، لا انحسارها. وهذا ما كشفه المبعوث الأميركي الخاص الى سوريا السفير جيمس جيفري أمام الكونغرس هذا الأسبوع. جيفري قال إن الولايات المتحدة وتركيا والأكراد يدرسون منذ شهور احتمال اقامة منطقة آمنة على طول الحدود السورية-التركية. لكن واشنطن لن توافق على الطلب التركي كاملاً، إذ تريد أنقرة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً.

المهم أن تركيا تسعى إلى توسيع رقعة هذه المنطقة بالكامل، ويبدو أن ضغوطها على الأميركيين عبر صفقة صواريخ "أس 400" مع موسكو، ليست بلا طائل، بل قد نفيق يوماً على منطقة آمنة واسعة تُبعد المتمردين الأكراد عن الحدود التركية، مقابل إلغاء الصفقة الروسية برمتها.

جيفري لم يُخف التوجه الأميركي للحل مع تركيا، إذ تحدث أمام الكونغرس عن خفض سقف التوقعات الكردي، وأن مستقبلهم في سوريا بعد ارساء السلم فيها (لم يُحدد طبعاً أسس هذا السلم، تاركاً الباب مفتوحاً أمام تأويلات عديدة). نعرف الآن بأن الجيش الأميركي لن ينسحب في المدى المنظور، ويترك حلفاءه الأكراد وحدهم لمواجهة المخاطر من كل حدب وصوب. لكن في الآن ذاته، ليس الدعم أو الوجود الأميركي منوطاً بمشروع سياسي محدد، بل على ارتباط بتسوية لن تشمل روجافا الكردية. هذا قرار أميركي.

والمطلوب من تركيا اليوم، صراحة مماثلة مع السوريين. أعادت أنقرة توكيد دورها في إدلب، وأظهرت أنها وحدها القادرة على إدارة ساحة المعركة بمختلف مكوناتها لمنع السقوط.

لذا من الضروري أن يسأل السوريون تركيا اليوم عن شكل التسوية السورية "المقبولة" ودور المعارضين فيها، وعمّا إذا كانت هناك ثوابت أو أسس لأي صفقة أو مفاوضات مقبلة، وحتى عن حقوق المقيمين في المنطقة الآمنة تحت الإشراف التركي. هل تجري انتخابات، أو تُنظم الحياة السياسية في المنطقة ضمن إطار معين؟

المنطقة الآمنة وحدها غير كافية للمضي بمثل هذا المشروع في الشمال السوري، بل من المطلوب اتساعها شرقاً نحو مناطق السيطرة الكردية، وباتجاه ادلب أيضاً حيث تبدو المهمة أصعب. لو اتسعت الرقعة التركية شمالاً بهذين الاتجاهين، قد تُقارب مساحة الأراضي حينها حجم لبنان. ومن المطلوب أيضاً ارساء نوع من الاستقرار الأمني في هذه المناطق، بما يحتاج الى تفاهمات أو حتى اتفاق مع الجانب الكردي، لا تبدو أنقرة في وارده.

حتى ذلك الحين، يبدو الدور التركي غير واضح المعالم بما يعني السوريين، في انتظار بازار إقليمي يبيع فيه كل طرف ما يملك من أوراق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024