السودان سيقاوم العسكر أيضاً

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/04/12

سقط الرئيس عمر البشير وبقي بعض نظامه وأركان جيشه. صحيح أن هذا الواقع يُذكرنا بما حدث في مصر من انهيار التجربة الديموقراطية القصيرة، وعودة العسكر إلى الحكم، وقمع الأصوات السياسية، وانشاء نظام أسوأ حالاً مما سبق. لكن مهلاً قليلاً. إن كان هناك ما يُميز الثورة السودانية عن سواها، هو نجاحها خلال السنوات الماضية، في مراكمة التجارب واعادة انتاج الحراك المعارض بأشكال متنوعة. وأيضاً وأيضاً، نجحت المعارضة السودانية في ايجاد مساحات مشتركة للنضال وائتلافات واسعة لم نشهد لها مثيلاً في أكثر دول المنطقة المُنتفضة على حكامها.

وليس بعيداً اعتبار الثورات العربية المختلفة بانتصاراتها وخيباتها الكثيرة، جزءاً من هذه التجربة السودانية. ذلك أن الثوار السودانيين، بقيادة "تجمع المهنيين السودانيين" المنضوي في "إعلان الحرية والتغيير"، جهدوا للحفاظ على سلمية الحراك الثوري، تجنباً للدخول في دوامة عُنف يجعلهم فريسة سهلة للقوى الإقليمية المتربصة بأي تغيير.

وأيضاً، نتيجة التجربة المصرية المريرة، لن يثق الثوار السودانيون بالجيش. اليوم، بات هناك وعي كامل بأن الديموقراطية لن تأتي عن طريق ضباط الجيش. لذا لم يمر اعلان وزير الدفاع الفريق عوض ابن عوف رئيس اللجنة الأمنية مرحلة انتقالية لسنتين، دون انتخابات ديموقراطية أو سلطة مدنية، مرور الكرام. عاجله الثوار بإعلان استمرار الحراك والتظاهرات.

مثل هذه الحيلة لن تنطلي على من رأى العسكر في السلطة في الجوار المصري، وقد التصقوا بها، وأعادوا الحكم لما هو أسوأ من العهود السابقة. ذلك أن عوف هو نائب الرئيس السوداني ووزير الدفاع، ومن رموز نظام البشير ورفاقه القدامى. وأراد ببيانه إطفاء الشارع بإطلاق السجناء السياسيين واحتجاز غير مرئي للبشير، لكنه في المقابل أعلن فرض الطوارئ لمدة 3 أشهر، وحظر التجول لمدة شهر ابتداء من العاشرة مساء، واغلق الأجواء لمدة 24 ساعة، وكأن البلد في حالة حرب لا انتفاضة شعبية ضد ديكتاتور ونظام أنهك البلاد بالفساد والتفرد بالسلطة.

المعارضة أجابت باعادة التأكيد على ضرورة السلطة المدنية، وعلى اجراء الانتخابات كي تنعكس ارادة الناس في صناديق الاقتراع.

ومن المهم هنا أن نلتفت إلى الطبيعة التراكمية للعمل السياسي المعارض وريادة تجمع المهنيين السودانيين. نجح المعارضون عام 2014 في رص صفوفهم وإنشاء "تحالف قوى نداء السودان" في ديسمبر/كانون الأول 2014 في أديس أبابا حيث التأمت قوى مدنية وعسكرية ومناطقية ووطنية. هذا التحالف الواسع ضم مروحة من القوى المختلفة على كل شيء، ضم الشيوعي والبعثي والناصري والليبيرالي والدارفوري وحزب الأمة القومي و"المؤتمر" المعارض والفرع الشمالي لـ"الحركة الشعبية لتحرير السودان".

ليس سهلاً أن تجتمع هذه القوى المتفرقة على طاولة واحدة لمواجهة السلطة. ومثّل ائتلافها قبل سنوات عديدة، ركناً أساساً لخطوات تعاون أخرى بين القوى المختلفة. وهذا ساعد في خلق ثقافة ضرورية في النضال ضد الدكتاتورية، وأيضاً في خوض أي مرحلة انتقالية مدنية سيدخل فيها السودان مستقبلاً.

هذا العمل السياسي تقاطع مع مراكمة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير سياسات اقتصادية فادحة. الاحتجاجات اكتسبت زخماً في كانون الثاني (يناير) العام الماضي بعدما تبنى النظام سلسلة سياسات اقتصادية يُوصي بها عادة صندوق النقد الدولي، من قبيل رفع الدعم عن الخبز وتعويم العملة. بكلام آخر، الجوع.

وهذا التدهور خلق زخماً حرك الشارع بطريقة تراكمية، وأعطى القيادة لقوى أخرى على رأسها "تجمع المهنيين السودانيين". لكن بعد أسبوعين على الحراك الاحتجاجي الأخير الذي بدأ في 18 كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي، بات التجمع ضمن ائتلاف أوسع من القوى، يُسمى "إعلان الحرية والتغيير"، يضم أحزاباً كثيرة منها تحالف قوى نداء السودان. هذه القدرة على الانضواء تحت مظلة واحدة، ميُزت الحراك السوداني، وأعطته زخماً وقيادة ضروريتين لمواصلة المواجهة والنضال ضد الدكتاتورية العسكرية.

كان البشير الحجر الأكبر في جدار الدكتاتورية، ولن يمر وقت طويل حتى تتدحرج البقية، واحداً تلو الأخرى. العمل الثوري تراكمي، وانهيار هذه المنظومة السلطوية في منطقتنا ليس سوى مسألة وقت.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024