أي منطقة آمنة في إدلب؟

عائشة كربات

الأربعاء 2020/02/26
العديد من المراقبين، بمن فيهم أنا، كانوا يتوقعون وقفاً لإطلاق النار في إدلب بعد اجتماعات الوفود التركية والروسية في أنقرة قبل أسبوعين. لكن بدلاً من ذلك، حصلنا على المزيد من التصعيد كإشارة إلى دبلوماسية البوارج الحربية التي ستؤدي في النهاية إلى تقسيم إدلب، لفترة طويلة.
كان لتوقعات وقف إطلاق النار أسباب عديدة ؛ أحدها العقل البارد المعقول للروس. تدرك موسكو حقيقة أن دمشق تريد استعادة السيطرة الكاملة على البلاد، لكن قدرتها العسكرية محدودة، على الرغم من دعم القيادة الاستراتيجية الروسية والميليشيات الإيرانية.
إذا أصر النظام على السيطرة الكاملة على إدلب، فيجب عليه إنفاق قدرته المحدودة هناك، وهذه الخطوة ستمنعه من ممارسة الضغط على حقول النفط في شرق البلاد. إضافة إلى ذلك، إذا إحتل إدلب بأسرها، فعليه اتخاذ بعض التدابير الجريئة للسكان الذين يعيشون هناك وليس لديهم أي نية للتصالح مع النظام. 
إجبار هؤلاء السكان على الركض نحو تركيا، سوف يجلب المزيد من التدخل من أنقرة والغضب من أوروبا، لذلك كانت الخطوة المنطقية للنظام هي قبول فكرة وجود منطقة آمنة في الشمال والغرب والجزء الأوسط من إدلب. كان هذا الحل جيداً أيضاً بما فيه الكفاية لأنقرة لأنه من الأهمية بمكان بالنسبة للمصالح التركية منع تدفق جديد للاجئين والحفاظ على نوع من المنطقة العازلة بينها وبين النظام. كما أنها تعتقد أنه إذا كان عليها أن تنسحب من إدلب، فعليها أيضاً الانسحاب من أجزاء سوريا المحتلة في المناطق الكردية المأهولة.
لكن منطق الدم البارد هذا لم ينجح في الوقت الحالي، لأن الأطراف ذات الصلة لم تكن قادرة على الاتفاق على كيفية مشاركة إدلب.
وفقاً لوسائل الإعلام التركية، اقترح الروس على تركيا تضييق منطقة التصعيد بنسبة 60 في المئة، وترك 40 في المئة فقط، في حين صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً وتكراراً بأنه يتعين على الجانبين العودة إلى الحدود الكاملة لمنطقة خفض التصعيد. إضافة إلى ذلك، طلب الروس من تركيا سحب جميع نقاط المراقبة في الغرب وإدلب الجنوبي، والتي هي تحت حصار النظام، على أي حال.
أنقرة لم تكن غير راضية عن العرض، فقد اعتقدت أن هذه الأرض الضيقة لن تكون كبيرة بما يكفي لاستيعاب اللاجئين الجدد، لأن تركيا تهدف إلى إعادة اللاجئين السوريين البالغ عددهم 3.5 مليون لاجئ بالفعل إلى الأراضي السورية الخاضعة الآن لسيطرة تركيا.
لم تسحب تركيا نقاط المراقبة التابعة لها، لكنها أضافت إلى ذلك قواعد عسكرية مؤقتة جديدة يبلغ عددها الآن حوالي 30 قاعدة. وهي مصممة ليس لمراقبة ولكن لوقف قوات النظام السوري وحتى صدها. لديهم خصوصية واحدة، أيضاً؛ لقد تم وضعهم بطريقة تعكس حدود منطقة آمنة محتملة في المستقبل تضعها تركيا في اعتبارها.
أنقرة التي تتأرجح بين روسيا والولايات المتحدة منذ بداية الصراع السوري وتحاول الموازنة، تعمل في الوقت الحاضر بجد لضمان مشاركة الجهات الفاعلة الأخرى، وخاصة الاتحاد الأوروبي الذي تأمل أن يدفع بعض نفقات المنطقة الآمنة الجديدة. الولايات المتحدة، التي تريد إبعاد النظام عن المناطق النفطية التي تسيطر عليها في الشرق بمساعدة وحدات حماية الشعب الكردية، تتظاهر هذه المرة بأنها تقف مع أنقرة عندما يتعلق الأمر بإدلب.
لذلك في ظل هذه الظروف، فإن القمة المحتملة بين ألمانيا وفرنسا وتركيا وروسيا في 5 آذار/مارس ستكون ذات أهمية قصوى، لكن موسكو ترى أنها تستطيع تجيير هذه القمة لإجبار تركيا على قبول منطقة آمنة أصغر من التي تحلم بها. لذلك، لن يكون مفاجئاً إذا ازداد التوتر في إدلب لفترة، أن يحاول النظام رسم خريطة إدلب من الجنوب وستحاول تركيا إبقاء قوات النظام بعيدة عن المناطق التي يمكن أن تنتج تدفقات للاجئين.
ولكن أيا كان ومتى سيتم الوصول إلى نتيجة، فستكون هناك في نهاية المطاف منطقة آمنة في إدلب، وستكون تحت السيطرة التركية المباشرة أو غير المباشرة. لكن المنطقة ستكون مع كثافة سكانية عالية، مما يعني أنواعاً مختلفة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. لذلك لن يكون من الواضح من هو الفائز في هذه اللعبة الدموية، لكن الخاسر سيكون واضحاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024