ليس ترامب البريطاني

شادي لويس

الثلاثاء 2019/07/30
ليس أسهل من مقارنة بوريس جونسون، بدونالد ترامب، وافتراض إن الإثنين ينتميان لموجة سياسية واحدة، لها بُعد عالمي. وفي الكثير من وسائل الإعلام، يبدو "صعود اليمين" تعبيراً مناسباً جداً لوصف هذه الموجة، وتغيرات سياسية متفرقة ومتزامنة في أكثر من مكان. وأحياناً، يكون "اليمين الجديد" تعبيراً أدق. وفي أوقات كثيرة، يتم توسيع هذا المنطق، وتُستخدم النظارة الأميركية لتفسير الظواهر السياسية حول العالم، فيصبح هناك "ترامب برازيلي"، وآخر فلبيني، وواحد بريطاني. وبلا شك، هناك الكثير مما يربط جونسون وترامب، ليس أقله المظهر، أو التصريحات غير المنضبطة المثيرة للغط. فكلاهما بالفعل يقفان على يمين المشهد السياسي في بلديهما، ويرفع كلاهما شعارات قومية، تستخدم كلمات "العظَمة" و"عظيمة" بشكل أو بآخر.


لكن الاختلافات بين جونسون وترامب أكثر من التشابهات. والأهم، أن أجندة كل منهما وسياقاتها تختلف بشكل جذري في الحالتين. فعلى عكس ترامب، يأتي جونسون من عمق المؤسسة السياسية البريطانية، ومن أضيق دوائرها نخبوية، حيث تكاد المناصب السياسية تكون شأناً مقرراً سلفاً وشبه وراثي. درس جونسون في مدرسة "إيتون" الشهيرة، المدرسة نفسها التي تخرج فيها رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، والأميران هاري ووليام، ونصف أعضاء الحكومات المتعاقبة. وكوالده، لدى بوريس جونسون، مع عدد من أخوته الخمسة، سجلّ حافل بالمناصب السياسية وفي المجال الصحافي أيضاً. انتُخب جونسون عمدة لندن لفترتين، وكان عضواً منتخباً في مجلس العموم مرتين أيضاً، بالإضافة إلى مناصب وزارية في حكومات الظل، ومنصب وزير الخارجية في حكومة تيريزا ماي، هذا غير مناصب في إدارة تحرير "التليغراف" و"سبكتيتور". وبالإضافة إلى كتاب له في التاريخ عن وينستون تشرشل، فإن جونسون نشر رواية سياسة ساخرة، باسم "إثنتين وسبعين عذراء"، نالت نجاحاً ليس بالقليل.

ولا يعني هذا فقط أن جونسون ابن بار للمؤسسة السياسية البريطانية فقط، بل أنه في الحقيقة كان دائماً في الجانب الأكثر "ليبرالية" من حزب المحافظين في ما يتعلق بقضايا التنوع والنساء والمثليين والهجرة. وكان ذلك، بالإضافة إلى سياساته المتعلقة بالحد الأدنى للأجور، من الأسباب التي مكّنته من الفوز مرتين بعُمودية لندن، المدينة الأكثر كوزموبوليتانية في بريطانيا، وذات الميل اليساري. ففي حملاته الانتخابية، لطالما ركز جونسون على أصول عائلته المهاجرة، وبالأخص جدّه التركي. أما من الناحية البيئية، فتظل البصمة الأوضح التي تركها في العاصمة، هو تحويلها إلى مدينة أكثر ملاءمة للتنقل بالدراجات، وتصريحاته عن السعي لأن تكون لندن خالية من المركبات العاملة بالوقود الحراري بعد أقل من عقدين من الآن.

وفور تولى جونسون منصب رئاسة الحكومة، أكد على ضرورة توفيق أوضاع نصف المهاجرين غير الشرعيين في بريطانيا، ومنحهم عفواً عاماً. وكان هذا موقفه الذي أعلنه مراراً وتكراراً من قبل. وفي الوقت نفسه، أعرب عن عزمه على إسقاط حدّ المئة ألف مهاجر الذي ألزمت وزارة ماي نفسها به، معتبراً إنه قَيد غير مبرر وإيديولوجي. ولا يبدو هذا فقط تأكيداً على الاختلافات الجذرية في خطابه، والمتعلقة بالأجانب والمهاجرين، مقارنةً بترامب، بل أحياناً يبدو جونسون أكثر كوزموبوليتانية من حزب العمال في بريطانيا.

على السطح، يبدو الموقف المتشدد تجاه الاتحاد الأوروبي وخطة الخروج منه بلا اتفاق، هو ما يربط جونسون بترامب. لكن، في الحقيقة، يبدو أن جناح "البريكزت بلا اتفاق" داخل حزب المحافظين، لا يشبه كثيراً سياسات ترامب الحِمائية والانغلاقيه والمعادية للعولمة. فالانقسام حول العلاقة مع أوروبا كان حاضراً داخل حزب المحافظين على مدى أكثر من نصف قرن، وكان الجناح المعارض للاتحاد الأوروبي يرى في بروكسل مؤسسة بيروقراطية وبطيئة وغير منتخبة، تفرض قيوداً على قدرة بريطانيا الديناميكية على التعامل مع العالم. ويضع جونسون شعاره "بريطانيا معولمة" لتأكيد هذا التوجه. فالخطة التي يطرحها تعد بأن "التحرر" من الاتحاد الأوروبي سيعيد للندن قدرتها على أن تكون أكثر انفتاحاً على العالم، بعقد الاتفاقات الاقتصادية والتجارية بعيداً من بروكسل.

لا يعني هذا كله أن جونسون أقل شراً من ترامب، أو أن خطابه ذا الصبغة القومية أقل ضرراً أو خطراً، ولا أن وعوده بخصوص الهجرة والبيئة وزيادة الإنفاق الخدمي ستتحول إلى سياسات عملية. لكن الأكيد هو أن ملابسات وسياقات ودوافع تولي جونسون منصب رئاسة الوزارة في بريطانيا، لا تشبه كثيراً الحالة الأميركية. والأهم، أن موقف جونسون في ما يخص المهاجرين والعولمة والبيئة وسياسات الهوية، يبدو مختلفاً بشكل جذري عن سياسات ترامب وخطابه، إن لم يكن على النقيض منها في أحيان كثيرة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024