رسالة من أميركا:دوامة فلسطينية

لوري كينغ

الخميس 2018/09/13
وصلت الآن إلى عمر بت أتعجب بأني عشت طويلاً!. نعيش هذا الأسبوع الذكرى السابعة عشرة لهجمات 11 أيلول/سبتمبر على الولايات المتحدة. في فصولي الدراسية في جامعة "جورج تاون"، أدركت للتو أنني لا أستطيع أن أسأل طلابي في صف السنة أولى "أنتروبولوجيا"، أين كانوا يتواجدون عندما ضربت الطائرات الأبراج؟. كانوا في الحفاضات عندما اصطدمت طائرات الركاب المختطفة بمركز التجارة العالمي والبنتاغون، وكانت الولايات المتحدة في أفغانستان منذ أن كانوا يتعلمون فقط المشي.
في فصل "الأنتروبولوجيا" الخاص بحقوق الإنسان اكتشفت أنني بحاجة إلى شرح الكثير من التعقيدات السياسية وتوفير سياق تاريخي كبير لشرح المعاني الأوسع نطاقاً لهذا اليوم بطريقة يمكن أن تجعلهم يتصلوا به. عليّ أن أضع في الاعتبار أن أشياء مثل "حركة عدم الانحياز"، ومذابح صبرا وشاتيلا، والانتفاضة الأولى، هي ألغاز لا يمكن حلها ولا معنى لها في حياتهم. لقد حدث الكثير، لكن شيئاً لم يتغير.
شاهدت عودة جون بولتون للعمل كمسؤول حكومي. قد يكون عمره ازداد، لكن شاربه وأيديولوجياته السياسية مازالت سخيفة أكثر من أي وقت مضى. تميزت التقارير الإخبارية الثلاثاء بعرض محيّا جون بولتون يعلن أن حكومة الولايات المتحدة قررت إغلاق البعثة الفلسطينية إلى الولايات المتحدة على أساس أن منظمة التحرير الفلسطينية تعرقل السلام مع إسرائيل. (جاء هذا الإعلان في سياق حرب بولتون المستمرة ضد القانون الإنساني الدولي. إنه غاضب للغاية لأن منظمة التحرير الفلسطينية تريد إشراك المحكمة الجنائية الدولية في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني).
لقد رأيت بالفعل، وفكرت، بينما عادت بي الذاكرة إلى شهر آذار/مارس 1988، عندما حثّ السناتور تشارلز غراسلي (من ولاية أيوا) على إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة مع ازدياد حدة الانتفاضة، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق وشديد في اهتمام وسائل الإعلام بمعاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. كنت في ذلك الحين عشرينية متحمسة ومثالية، بدأت للتو أول وظيفة في الدراسات العليا في واشنطن العاصمة في منظمة دولية تعليمية غير ربحية. بحلول نيسان/أبريل من عام 1988، أصبحت عضواً في لجنة من الأفراد اختارتهم بعثة منظمة التحرير الفلسطينية للقيام بعملهم لتثقيف وإعلام الرأي العام الأميركي حول تجارب الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، حتى مع سعي إدارة رونالد ريغان إلى إسكات المسؤولين الفلسطينيين والجدل حول القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة.
في المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، كانت هناك مجموعة من الشبان يجلسون في الردهة، يشاهدون تلفازاً صغيراً بتركيز عميق وصامت. قربهم كان هناك رجل أيرلندي كبير السن، وهو سائق ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، أشار إلى شعري الأحمر، وأخذني جانباً، وعانقني وبدأ يناديني "إيرلندية". اعتقدت أن الشباب يشاهدون الأخبار حول الاحتجاجات في الضفة الغربية أو غزة. لا: لقد كانوا يشاهدون مسلسلاً درامياً أميركياً شهيراً أثناء النهار وكانوا مستائين من تطورات المسلسل. كانوا مجموعة ممتعة من الشباب، طلبوا لنا غداءً شهياً من الفلافل والحمص والتبولة، ثم قدموا لنا قهوة تركية لذيذة بعد ذلك. اجتمعت لجنتنا في ذلك اليوم، ثم اجتمعت مرات عديدة مع مرور الأسابيع والأشهر، وقررنا أننا بحاجة لإبقاء كرامة ومعاناة الشعب الفلسطيني العادي في قلب الخيال الأميركي على الرغم من رفض الحزب "الجمهوري" واللوبي المؤيد لإسرائيل السماح للفلسطينيين برواية قصتهم بالطريقة التي وجدها العالم كله مقنعة.
لقد كُلفت بإجراء أبحاث حول القانون الدولي الإنساني وقانون المساعدات الخارجية الأميركية في ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً للتعلُّم، والشعور بالغضب من الانتهاكات العديدة للقوانين المحلية والدولية التي تهدف إلى حماية الشعب الفلسطيني. في عطلة نهاية الأسبوع، أجريت بحثًا مكثفاً حول مخاطر إنتهاك القانون المحلي والدولي، وهو ما خدمني بشكل جيد بعد عقدين من الزمن عندما عملت منسقة أميركا الشمالية للحملة الدولية من أجل العدالة لضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا، في إطار سعيهم للحصول على الإنصاف القانوني في المحاكم البلجيكية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، وهو مسعى قانوني دحضه صديق جون بولتون، دونالد رامسفيلد، في صيف عام 2003.
توصلت لجنتنا إلى فكرة عن حملة إعلانية على نظام المواصلات العامة في العاصمة، تتضمن ملصقات إعلامية تشتمل على موضوعات مثل "مقياس واحد لحقوق الإنسان" و"إسرائيل تكسر العظام وتكسر القوانين". قررت هيئة النقل في المدينة أن الملصقات كانت سياسية أو تحريضية أكثر من اللازم، لذلك اضطررنا للتخلي عن هذا المشروع، وحولنا اهتمامنا إلى الوصول إلى صانعي القرار الرئيسيين وصانعي السياسات بدلاً من ذلك. بحلول نهاية عام 1988، عقدت لجنتنا العديد من الاجتماعات مع مسؤولين في وزارة الخارجية، وعملت مع دبلوماسيين أميركيين متقاعدين ومتعاطفين، وساعدت الكنيسة الأسقفية في واشنطن على تنظيم ندوات تعليمية عامة حول أهداف الانتفاضة الأولى.
لم يكن هناك فقط نهمٌ عام كبير لمزيد من المعلومات حول الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الذين كان الأميركيون يرونهم وهم يواجهون بشجاعة الجيش الإسرائيلي كل ليلة على شاشات التلفزيون الخاصة بهم، لكن إسرائيل كانت تمتلك سلاح علاقات عامة هائل في شكل شاب له حضور هو بنيامين نتنياهو، الذي فهم بوضوح كيف يستخدم وسائل الإعلام الأميركية للحصول على نقاط لصالح حكومته. لقد أكد كل ليلة على أن "جيش الدفاع الإسرائيلي" يجب أن يكون وحشياً، مستغيثاً بروح النظام الأميركي ، لأن "إسرائيل تعيش في محيط قاسٍ".
في تشرين الثاني/نوفمبر 1988، نطق ياسر عرفات الكلمات السحرية، بأن منظمة التحرير الفلسطينية قد تعترف بإسرائيل، وفي 14 كانون الأول 1988، أعلنت إدارة جورج بوش الأب الواصلة حديثاً إلى البيت الأبيض، أنها ستفتح حواراً مع منظمة التحرير الفلسطينية. بعد ثلاثة أسابيع ، وجدت نفسي في طائرة متجهة إلى تونس كجزء من وفد غير حكومي في طريقنا للاجتماع مع ياسر عرفات ومسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية، جالسين إلى جوار السناتور جورج ماكغفرن، الذي شارك أهلي في حملته الرئاسية عام 1972. بعد يومين من الاستلقاء في منتجع فاخر في سيدي بوسعيد، عقدنا اجتماعنا مع عرفات وحفنة من كبار مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية في الساعة الثالثة والنصف صباح الأربعاء. كان عرفات منخرطاً، ساحراً، وفي حالة معنوية عالية. كان مسؤولوه متجهمي الوجه وهادئين بينما حاولنا إخبارهم بمدى أهمية التحدث إلى الأميركيين العاديين وإخبار القصص الحقيقية للفلسطينيين إلى الجمهور الأميركي.
في اليوم التالي على الغداء، جلست مع بعض أعضاء اللجنة الأميركية الفلسطينية، حول مائدة وأطلقنا نكاتاً حول مدى قلة حيلة رسالتنا في الوصول إلى القيادة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت مهتمة أكثر في اتصالاتها الجديدة مع كبار المسؤولين الأميركيين. لم يكن أمراً مثل حملات التوعية الإعلامية والتعليمية للأمريكيين العاديين يثير اهتمامهم. بدأنا نتخيل قيام دولة فلسطينية في المستقبل مع الحرس القديم في منظمة التحرير الفلسطينية، مع طرح أسماء مسؤولين مثل "محمد كسلان"، وزير الطاقة، و"فوزي الجاهل"، وزير التعليم. في غضون سنة، أصبح من الواضح لنا جميعاً أن منظمة التحرير الفلسطينية في تونس لم تكن على الموجة نفسها بالضبط مع أطفال الحجارة في غزة والخليل ورام الله، وأن منظمة التحرير الفلسطينية قد تبدد قيمة رأس المال السياسي والأخلاقي الذي قدمه لها كل هؤلاء الشهداء الشباب.
كان ذلك قبل ثلاثين عاماً. رحل ياسر عرفات والسناتور ماكغفرن، كذلك أطفال الحجارة، والروتين الثاني لبعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة، والبرجين التوأمين، وعشرات الآلاف من الأرواح الأميركية والفلسطينية والأفغانية والسورية والعراقية. وأي مظهر من مظاهر الاستقامة في السياسة الخارجية الأميركية. لكن جون بولتون، والسيناتور غراسلي، وبيبي نتنياهو لا يزالون هنا، يعملون بجد، ليلاً ونهاراً، لضمان استمرار تكرار حلقات التاريخ المفرغة في الشرق الأوسط. لقد حدث الكثير، لكن شيئاً لم يتغير.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024