عندما غيّرت أنيسة قدَر أخيها محمد

عمر قدور

الثلاثاء 2020/09/15
توفي محمد مخلوف، خال بشار الأسد، قبل ثلاثة أيام عن عمر ناهز الثمانية والثمانين. ليس مهماً ما إذا كانت الوفاة بسبب الإصابة بكورونا كما أشيع، سنّ الرجل يحتمل أسباباً عديدة للوفاة الطبيعية، والخبر الأهم ربما وفاته في سوريا، إما لعودته إليها بداعي الاحتضار أو لقدومه إليها بعدما نصت الأقاويل على وجوده في الخارج كواحد من علائم ونتائج الشقاق بين عائلتي الأسد ومخلوف. شيخوخة الرجل لم تفسح المجال لافتراضات حول تصفيته، وهكذا نعِمَ بنهاية وادعة أحدُ الرموز الكبار لعصر الأسدية الذهبي. 

فور ذيوع خبر رحيله، انتشرت على وسائل التواصل نعوة مفبركة تصفه على سبيل السخرية بباني اقتصاد سوريا الحديثة، وانطلت النعوة على كثر رغم الخطأ الفادح في التواريخ الهجرية والميلادية للوفاة، ورغم نقص المعلومات التي تُذكر عادة من أسماء عائلة الميت. النعوة الحقيقية لن تنتشر كنظيرتها المفبركة، مع أنها تكشف معلومات غير دارجة، منها "والدة الفقيد: سعدة سليمان علي الأسد"، أي أن المصاهرة بين آل مخلوف والأسد لم تبدأ بزواج حافظ الأسد من أنيسة مخلوف، من دون أن نغفل الفارق بين الحالتين فزواج الرجل "الأعلى مكانة اجتماعياً" من عائلة "أدنى مكانة" لا يلقى الممانعة التي تثيرها الحالة المعكوسة. 

في نعي محمد مخلوف نقرأ أيضاً: زوجتا الفقيد: السيدة غادة مهنا- السيدة هلا ماغوط. ويرد بين أسماء أبنائه اسم أحمد، بدون أي لقب "علمي أو وظيفي" على غرار إخوته، ما يشير إلى حداثة سنه وكونه من الزواج الثاني. الابن الأكبر والأشهر رامي نشر على صفحته باقتضاب خبر الوفاة، ولم ينشر صورة عن النعي الذي يحمل تلك التفاصيل التي ربما لا تروق له، ومن الشائع في مثل هذه الحالات امتزاج الاعتراض على الزواج الثاني للأب بما سيقتطعه الزواج الجديد من الإرث العائلي.

بالعودة إلى النعي المفبرك الساخر حول كونه "باني اقتصاد سوريا الحديثة"، عُرف محمد مخلوف على نطاق واسع بأنه رجل الفساد الأول، خاصة بعد أفول شمس رفعت الأسد في الثمانينات. وخارج دائرة منطقة الساحل، حيث تسمح صلات القربى بتداول المعلومات شفاهياً، بالكاد نعرف شيئاً عن شخصه وعن طباعه. هو، بسيرة مختزلة صارت شائعة، موظف صغير في المطار ابتسم الحظ له بانقلاب زوج شقيقته واستلامه الرئاسة، ليعيّنه مديراً لمؤسسة التبغ ثم للمصارف العقارية، وليصبح خازن أموال حافظ الأسد، مورّثاً المهمة لابنه رامي. 

بحسب معلومات أقل شيوعاً، غيّرت أنيسة قدَر أخيها محمد، إنما في وقت أبكر من انقلاب زوجها. القصة بدأت مع تسلم حافظ الأسد منصب وزير الدفاع، وحينها كان محمد مخلوف يعيش في بيروت متزوجاً من امرأة مغاربية، يُقال أن له بنتاً منها، ويبدو أن عمل الزوجة لم يكن مما يرضي عائلة محافظة أو شبه محافظة في ذاك الزمن، أي أنه كان أقرب إلى الابن الضال الذي يسير وراء رغباته ونزواته. بعد تسلمه وزارة الدفاع، سيكلف حافظ الأسد رئيسَ مكتب الشحن والاستطلاع في بيروت، وهو من عائلة مخلوف أيضاً، بجلب الابن الضال، لتُطوى نهائياً صفحة زواجه الأول، ويتزوج من العروس المهيأة سلفاً من قِبل صهره أو أخته مع توظيفه في المطار.

من المتوقع أن يكون الابن الضال قد خضع للترهيب والترغيب ليودّع حياته السابقة المحببة، وليضعه قدَر شقيقته على سكة مغايرة تماماً، السكة التي ستصرف طاقاته إلى الفساد. لا أحد يعلم لماذا وقع الاختيار على زوجته، لكن اسم عائلتها "مهنا" سيصادفنا في أكثر من مكان بسبب المصاهرات التي هي طرف فيها من دون أن تحظى بشهرة عائلات السلطة الأخرى كالأسد ومخلوف وشاليش. الاسم الوحيد المعروف من بين ذكور العائلة هو غسان مهنا، شقيق الزوجة غادة، وسيلمع اسمه لاحقاً في عالم النفط كمدير لشركة الفرات، وهي الشركة التي مثّلت سيطرة محمد مخلوف وباسل الأسد في حينه على قطاع النفط. إلا أن اسم العائلة سيرِد في سيرة العديد من المسؤولين، فمثلاً زوجة قائد الحرس الجمهوري السابق علي محمود حسن تنتمي إلى العائلة، وابنها يظهر حتى الآن كمرافق أول لبشار الأسد، ورئيس اتحاد الطلبة حامد حسن متزوج من العائلة والأهم أنه سيوفَد سفيراً إلى طهران بما للعلاقة معها من خصوصية.

إذاً، ستتعاظم ثروة محمد مخلوف مع تردي أحوال مؤسسة التبغ التي يرأسها، وهي مؤسسة تحتكر شراء التبغ الخام "بالأسعار التي تقررها" وتحتكر تصنيعه وبيعه، وفي عهده صارت تحتكر استيراد وبيع الأصناف الأجنبية منه. كانت مؤسسة التبغ تُعدّ الأكثر ربحاً قبل أن تتقدم عليه الاتصالات في زمن الخليوي، باستثناء النفط "المجهول" الذي بقي لعقود خارج الميزانية الرسمية. كونها منجم للأموال يوضّح سبب إسناد إدارتها إلى محمد مخلوف، ولاحقاً إلى فيصل سماق الذي تكتمل دلالة اسمه عندما يصبح مقروناً بزواجه من أحد أفرع عائلة مخلوف. من مؤسسة التبغ إلى إدارة المصارف العقارية، أهم ما سيفعله محمد مخلوف في الأخيرة أنه سيوقف لسنوات القروض السكنية التي يحصل عليها أصحاب الدخل المحدود، ثم لتنتشر الأقاويل عن مغادرته المنصب وفي حوزته ثلاثة مليارات لا أحد يتجرأ على مطالبته بها.

كما هو معلوم، سيسيطر الابن الأكبر رامي مخلوف، نيابة عن تحالف الأسد/مخلوف، على قطاع الاتصالات الخليوية الأكثر ربحية منذ تأسيسه حتى أشهر قليلة خلت. أما قدَر الأب "المرتبط بشقيقته" فيمكن القول أنه شهد دفعة جديدة مع منتصف الثمانينات، فمع إعفائه من إدارة مؤسسة التبغ عام 1985 كان رفعت الأسد يُجبر على مغادرة البلاد، ليُفسح مجالٌ أوسع لمحمد مخلوف على أكثر من صعيد، بما في ذلك الاستفراد بقطاع النفط بالشراكة مع باسل الأسد. مشروع توريث الأخير أتى على طبق من ذهب لآل مخلوف، مثلما من المتوقع أن إقصاء رفعت لأجله يوافق هوى أمه أنيسة، وينبغي ألا ننسى في السياق صعود الحرس الجمهوري الذي سينتزع مكانة سرايا الدفاع التابعة لرفعت، الحرس كان حينها برئاسة عدنان مخلوف الذي لن يغيب اسم ابنه خلدون كواحد من أعلام امبراطورية مخلوف الاقتصادية الكبرى.
         

كنا في مقال سابق في المدن، بعنوان "قتل الأب محمد مخلوف"، قد توقفنا عند الدور الذي سيلعبه إثر وفاة باسل ومرض حافظ الأسد الذي منعه من الإشراف على تأهيل بشار الذي لم يكن معدّاً لتسلم السلطة. ذلك الدور يستكمل القدَر الذي وضعه في مكان مغاير لما استهل به حياته كابن ضال، كواحد من الشبان السوريين الذين استهوتهم بيروت في الستينات. القدر الذي رسمته له شقيقته أنيسة سيغلب على ما عداه، إذ بالمقارنة مع مكانته في السلطة ومشاركته في فسادها لم يعد مهماً ما يذكره مقرَّبون من السلطة نفسها عن ولعه الذي لم ينقطع بالنساء أو بالمقامرة. ربما كان زواجه الأخير بمثابة اعتزال لما سبق من نزواته، أملاه التقدّم في السن، وربما يكون إطلاق اسم أبيه على ابنه الأصغر بمثابة عودة أخيرة عن ذلك الابن الذي نقلته السلطة من ضلاله البسيط إلى الضلال الأوسع.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024