إله في الملعب

محمد خير

السبت 2019/06/22
"هناك إله واحد فقط، إسمه الموت، وثمة شيء واحد فقط نقوله للموت: ليس اليوم".
ليس معروفاً قدر إلمام وزير الرياضة المصري، أشرف صبحي، بهذه العبارة الأيقونية من المسلسل الأمريكي الأشهر "لعبة العروش"، لكنه اضطر الى أن يقول لإله الموت الفرعوني "أنوبيس": ليس اليوم، وأمر، بالاشتراك مع وزير الآثار، برفع مجسم ضخم للإله المصري القديم، من ملعب إستاد القاهرة، حيث كان سيعرض "حامي المقابر ودليل الموتى في العالم السفلي" في حفلة افتتاح كأس الأمم الأفريقية!

قبل ساعات قليلة فقط، لم يكن ذلك رأي وزارة الآثار، فقد صرّح مسؤول بارز فيها بأن وجود "أنوبيس" في حفلة الافتتاح هو "اختيار جيد"، معتبراً أن الإله القديم ليس فقط إلهاً "للموت والتحنيط"، بل هو كذلك إله "فتح الطرق"، من دون أن يشير إلى أن الطرق المعني بها "أنوبيس" هي طرق العالم الآخر، طرق ما بعد الموت! وإلى أن لونه الداكن يشير إلى تغيّر جلود الأموات، وإن اسمه الأقدم "إنبو INPW" يعني في مقطعه الثاني "التعفن"، ورأسه التي تتمثل في رأس حيوان "ابن آوى" تشير إلى خطر ذلك الحيوان المعتاد في الماضي على نبش المقابر وجثث الموتى..

تلك المعاني كلها لم تمنع سعادة وزارة الآثار بتواجد أحد "اهتماماتها" بصورة ما في الاحتفال، ولو كان رمزاً يناقض المناسبة كلياً، ولو كان عبر اختيار من شركة منظِّمة لم تكن تعي ماهية الرمز الذي اختارته حسبما صرح وزير الرياضة.

أزيل التمثال إذاً في النهاية، بينما طلبت وزارة الرياضة من "الآثار" أن ترشح "قطعاً أثرية أخرى تحل محله". هكذا نتعامل مع تراث الأجداد كأطفال في مغارة علي بابا. في الواقع، ليس ثمة نقص في الرموز الفرعونية في البطولة المرشح بالفوز بها "منتخب الفراعنة". فتميمة البطولة هي الطفل توت، إشارة إلى الملك الفرعوني الصغير الأشهر "توت عنخ آمون"، وفي حفلة قرعة كأس الأمم الأفريقية قبل شهرين، اختارت اللجنة المنظمة أن تقيم حفلة مفتوحة تحت سفح الأهرامات الكبرى في الجيزة. كان المشهد في الخلفية رائعاً، لكن –مرة أخرى- جاءت اللمسة المعاصرة مخيبة، فقد اختيرت فرقة غناء لتقوم بالرقص أيضاً! ما أثار السخرية من أدائها و"أوزانها"، كما "استوردت" الحفلة فرقة أوروبية لأداء الرقصات الأفريقية! وذلك في حضور وفود دول أفريقيا التي كانت أكثر تهذيباً من أن تعلّق على الأمر.

في الواقع ليس من المعتاد أن تكون حفلة القرعة "حفلة" بالمعنى الموسيقي، وفي العادة لا تتضمن سوى كلمات لبعض المسؤولين ثم سحب القرعة. لكن اللجنة أرادت أن تقيم حفلة حقيقية في ظل رغبة مصرية رسمية مستمرة بأن "تبهر العالم"، وتناست أن تلك الإضافات تستدعي مزيداً من الجهد والاهتمام بالتفاصيل، تماماً كما كادت تعرض إله الموتى في حفلة افتتاح مناسبة رياضية من المفترض أن تحتفي بالحياة.

غير أن ما أنقذ الافتتاح من إحراج عرض إله الموتى، لم يكن مساراً طبيعياً، إذ لم يعرف المتابعون بوجود المجسّم الفرعوني الضخم إلا عبر صور تم تسريبها إلى صفحات التواصل الاجتماعي. هكذا صارت الصحافة المصرية تعمل، اضطراراً، في عصر حجب المعلومات وحجب المواقع وهيمنة "المجلس الأعلى للإعلام". تلتقط المعلومات من غير مصادرها الرسمية، تثير القضية الصحيحة أحياناً، أو الخاطئة بسبب نقص المعلومات أحياناً أخرى، فيتحقق رد الفعل (إذا كان الإحراج كبيراً)، أو لا يتحقق. ويُكرَّس وضعاً يُدهش الناظر إليه من بعيد، وقد يتساءل: لماذا يتجادلون قبل بطولة رياضية حول إله الموت؟ إله لم يعد حتى يؤمن به أحد. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024