لبنان_ السعودية:أزمة تستعصي على الوساطات

ساطع نور الدين

الأحد 2021/11/21

التسليم بأنه يمكن التعايش مع الازمة الراهنة في العلاقات اللبنانية السعودية، ليس من مصلحة البلدين، ولا من المصلحة العربية في شيء. فهو يعني للبنان أنه حُكم عليه بأن يدرج مع الدول الخاضعة لسيطرة إيران المطلقة، وهذا أمر غير دقيق، كما يعني للسعودية أنها لم تعد تملك من أدوات التأثير في الوضع اللبناني سوى المقاطعة الرسمية للدولة اللبنانية، وهذا أمر غير صحيح.. كما أن حصر الأزمة في سياقها السعودي الايراني إساءة للبلدين وللشعبين، تتنافى مع حقيقة أنها في الاصل وفي الجوهر مشكلة داخل الصف العربي، لا بد من البحث عن قنوات رسمية عربية لمعالجتها.

التحرك الذي قامت به الجامعة العربية، كان استكشافياً، لم يسفر حتى عن التوصية في عقد إجتماع لمجلس المندوبين العرب للتداول في الازمة ووضع توصيف دقيق لها، وإبقائها في المجال العربي. كان التردد اللبناني والتوتر السعودي سبباً رئيسياً لضياع هذه الفرصة، ولبقاء الازمة أسيرة التقديرات بأنها جزء من التفاوض السعودي الايراني الذي بدأ في بغداد وما زال مستمراً من دون أن يحقق تقدماً يذكر.. وهي تقديرات تحتمل بعض الصواب.  

لا يمكن رسم حدود زمنية للازمة، التي تكاد تتحول الى طبيعة ثانية للعلاقات بين لبنان والسعودية، مع أنها تتنافى مع وقائع التاريخ وتتعارض مع أبسط تعاليم السياسة. والمشكلة أن أحداً لا يعرف الموعد الفعلي الدقيق لإنفجارها، والذي لا يمكن ربطه بتصريح ساذج من وزير لبناني أدلى به قبل وصوله الى الوزارة. ولا أحد يستطيع ان يتكهن بالموعد التقريبي لإنتهاء الأزمة. والأسوأ من ذلك أن الجميع بات يتعامل معها، كعقدة متروكة للزمن، لكي يتكفل بحلها، أو بإحالتها الى النسيان.

الحديث عن وساطة قطرية، لم يطلبها لبنان حتى الآن، ولن تقبل بها السعودية على الارجح، لأسباب لبنانية وخليجية ظاهرة، خاصة وأنها تأتي من الدولة الاكثر خبرة في التوسط بين ألد الاعداء وأشرس الخصوم وأعنف المتحاربين، والتي حققت دبلوماسيتها الناعمة مؤخراً إنجازاً دولياً بارزاً. الفكرة واردة في بيروت، أكثر مما هي متداولة في الدوحة التي لا تبدو متحمسة لها. والشائعات حولها لا تهدأ، لكنها ما زالت تنتظر ردة الفعل السعودية، وتاليا الشروط التي يمكن أن تضعها الرياض في هذا السياق.

 الأزمة شأن عربي داخلي، لا مجال للتسامح مع أي تدخل إيراني أو فرنسي أو حتى أميركي فيها. ولا مفر من ضبطها في إطارها الطبيعي، كمشكلة سعودية مع حزب أو فريق لبناني، مستمرة منذ خمس سنوات، او خمس عشرة سنة، أو حتى منذ الثورة الايرانية التي أخرجت بعض الشيعة العرب من عروبتهم ووضعتهم في عهدة إيران وفي أرصدة قوتها الاقليمية.. ولم يتوقف الجهد العربي (والسعودي تحديداً) من أجل إستعادتهم، كما هو الحال في العراق وسوريا مثلا.

بناء على هذا التعريف، يمكن إتخاذ الخطوات عديدة، تبدأ من بيروت لتصل الى الرياض مرورا بالدوحة. المبادرة الاولى، يفترض أن تكون لبنانية، وهي تقتضي الاعتراف بان ثمة أزمة لا بد من علاجها بسرعة لكي لا تتفاقم، بشكل دراماتيكي يعيد الى الاذهان الخطأ السعودي الفادح في التعامل مع الرئيس سعد الحريري، والذي تراكم حتى خرجت الرياض من الوضع اللبناني، ولم يبق لها من حليف موثوق سوى حزب "القوات اللبنانية".

لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق، هو ما إذا كانت السعودية جدية في كلامها الاخير عن القطيعة النهائية مع لبنان، وعن الحاجة الى اصلاح النظام السياسي اللبناني بشكل ينهي سيطرة حزب الله، على الدولة اللبنانية، حسبما جاء مرتين على لسان وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود، الذي نسي كما يبدو أن النظام اللبناني الحالي هو صنيعة سعودية، ولا يجوز أن يوضع قيد البحث نتيجة تصريح للوزير جورج قرداحي.

الارجح ان هذ الموقف السعودي المتشدد ليس مقدمة للتفاوض، ولا يبدو أنه جزء من عملية منسقة للتأثير في معركة الانتخابات النيابية او الرئاسية اللبنانية العام المقبل. والأدلة المثبتة في لبنان حتى الآن لا تسند هذه الفرضية، ولا تخدمها طبعا. بل هي تشير الى ان السعودية لا تخدم مصالح حلفائها اللبنانيين بالمقاطعة التامة، ولا تحدد مطالب أو شروطاً على الدولة اللبنانية، وعلى خصوم السعودية، أقرب الى المنطق من مطلب إصلاح النظام الذي لم يحن أوانه بعد.. والذي لن يتحقق هذه المرة في مدينة الطائف بالذات.

وساطة قطر نافذة محتملة، لم تفتحها الدوحة، لكنها الوحيدة ربما المتوافرة الآن. مقدماتها اللبنانية، وعقباتها السعودية ليست سهلة أبداً. لكن الأمر يستحق العناء. لأن الزمن ليس كفيلاً بالحل، والنسيان ليس خياراً واقعياً.. والاختراق الايراني او الفرنسي او حتى الاميركي، يمكن ان يزيد الامور سوءاً.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024