قطار التطبيع..والمحطة اللبنانية المغلقة

ساطع نور الدين

الخميس 2020/09/24
كلما خرج الرئيس الاميركي دونالد ترامب أو أحد مسؤولي إدارته، بتقدير لعدد الدول العربية، (الخمس او الست أو السبع..)، التي ستحذو حذو الامارات والبحرين في التطبيع مع إسرائيل، لاحت في الافق اللبناني غمامة سوداء، مثيرة الخوف من أن يتبرع فريق لبناني، في الحكم أو خارجه، بالدعوة الى ركوب ذلك القطار الذي يسير بسرعة هائلة، نحو محطة يتجمع فيها على عجل أعضاء حلف إقليمي طارىء، مفتعل، كأنهم على موعد مع المجهول.

الخطر ما زال بعيداً نسبياً، والمؤكد أن الرئيس ترامب لا يعرف عن لبنان إلا ما يسمعه من الاسرائيليين وبعض العرب، وهؤلاء ليسوا في عجلة من أمرهم لزرع مثل هذه القنبلة الموقوتة في الداخل اللبناني الآن.. قبل وضعها في دمشق، مثلاً، حيث تتراكم يوماً بعد يوم المؤشرات على ان الحلفاء الجدد لإسرائيل يتوقعون من الرئيس بشار الاسد ألا ينسى فضلهم وفضل الاسرائيليين ودورهم المؤثر في بقاء نظامه حتى اليوم.

من غرائب الصدف، أن لبنان الذي يعيش فراغاً رسمياً وإنهياراً سياسياً لم يسبق له مثيل، لزم الصمت إزاء التحالف الذي قام بين دولة الامارات واسرائيل، وسار على نهج سوريا التي أكتفت بسؤال الاماراتيين عن جدوى مثل هذه الخطوة، حسب تصريح فريد للمستشارة الرئاسية السورية بثينة شعبان، وإبتعد عن سلوك إيران التي رفعت الصوت عالياً جداً ضد الخيانة الاماراتية للاسلام والعروبة وفلسطين، وتابعت التعامل والتعاون مع دولة الامارات وكأن شيئاً لم يكن.

الصمت اللبناني هو أصدق برهان على ان الجميع يدرك حساسية العنوان الاسرائيلي، وحراجة النقاش حول الخيار الاماراتي الخطير.. على أساس أنه شأن خليجي بعيد، وشأن فلسطيني مستبعد، وشأن عربي غير وارد، وبالتالي لا يحتاج لبنان الى سبب إضافي لإثارة الخلاف والشقاق بين أحزابه وقواه السياسية الحاكمة بشكل خاص.

لكن لبنان لم ينج تماماً حتى الآن. ثمة سؤال هامس حول ما يمكن أن تفعله السلطة اللبنانية إذا تلقى دعوة أميركية للالتحاق بالركاب العرب في ذلك القطار. وثمة أصوات لبنانية خافتة، محركها إماراتي، تنادي بإنهاء الصراع مع العدو الاسرائيلي الذي لم يعد له أساس أو مبرر، سوى خدمة جدول أعمال حزب الله.. وفي الحالتين، يبدو أن السحب لن تظل مرتفعة، لا سيما وأن الاضواء لم تسلط حتى الآن بالقدر الكافي على مخاطر الحلف الاماراتي مع إسرائيل، على المصالح اللبنانية المباشرة، السياسية والاقتصادية، مثلما لم يبذل أي جهد للفصل بين النزاع المحلي المفتوح مع حزب الله وبين الصراع اللبناني الاسرائيلي الذي بدأ قبل ظهور الحزب، وسيستمر بعد غيابه.

ولعل الثغرة الوحيدة التي تسجل في الموقف الرسمي من التطبيع مع إسرائيل، هو ما صدر عن الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل في أكثر من مناسبة عن أن الأمر ليس محرماً أو محظوراً والرفض ليس مبدئياً، لكنه يعتمد (حسب التعبير الفرنسي الذي استخدمه الرئيس   Ca depend) بالعرض الذي يمكن ان يتلقها لبنان والثمن الذي يعرضه الاميركيون والاسرائيليون، في هذا السياق. وهو ما يتخطى فكرة التوصل الى حل للخلاف اللبناني الاسرائيلي على رسم الحدود البحرية والبرية.

  عدا ذلك، ما زال هناك تهيب إزاء الاحتمال، وتخوف من أن يلتفت ترامب والاسرائيليون بشكل جدي الى لبنان ويطالبونه بتجرع ذلك الكاس المرّ ، أو على الاقل بالاستعداد لمثل هذا الاحتمال المتفجر.. على الرغم من أن في لبنان أكثر من حجة تدعم الاستنتاج أنه سيكون آخر دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل، وليس فقط آخر دولة من دول الطوق التي تسير في هذا الاتجاه. وهو في ذلك سينفصل حتماً عن سوريا، ويلغي وحدة المسار والمصير مع نظامها، عندما يستحق موعد تسديد ديونه للاميركيين والاسرائيليين والخليجيين وللروس أيضاً، الذين حموه من السقوط طوال السنوات التسع الماضية.

الموعد اللبناني ما زال قابلاً للتأجيل، وللإستبعاد ، بخلاف الموعد السوري الذي لا يبدو بعيداً جداً، برغم الصوت الايراني العالي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024