تعديل الدستور المصري: نهاية التمني

شادي لويس

الثلاثاء 2019/02/05
حتى ما قبل أيام قليلة، كان لايزال لدى البعض بصيص من أمل في أن يلتزم عبدالفتاح السيسي بوعوده ويكتفي بفترتين رئاسيتين. وكانت تلك الآمال، في معظمها، غير مؤسسة على شيء سوى التمني، منقطع الصلة بالواقع. ذهب البعض إلى أن السيسي عبء على المؤسسة العسكرية، وأنه ورقة محروقة، قامت بدورها واستنفدت شعبيتها، وأنه من مصلحة الجيش ألا يتورط في تعديل الدستور لتمديد فترة الرئاسة. كان البعض، في الحوارات الخاصة، يطرح النموذج الصيني، حكم المؤسسة الواحدة وتدوير المنصب الرئاسي، هناك الحزب وهنا المؤسسة العسكرية. أما الأقل تفاؤلاً، وإن كانوا متمسكين ببعض الأمل، فذهبوا إلى تصور السيناريو الروسي، أي لا تعديل للدستور، وحكم للسيسي من وراء الستار. ولم يكن هذا صعباً على التصور، ففترة ولاية المستشار عدلي منصور، مازالت حاضرة في الذاكرة.

وتطلبت كل تلك الأمنيات من أصحابها الكثير من المواءمات لتبريرها، كفصل النظام عن رئيس الجمهورية، والجيش عن السيسي، أو افتراض صراع أجنحة داخل النظام، أو تصور دور لجهات خارجية غير راضية عن استمرار السيسي. أما المراقبون الأكثر واقعية، أو الأكثر يأساً، فاكتفوا بالانتظار حتى نهاية الفترة الرئاسية الثانية، لنرى ما سيحدث بعدها. وكانت تلك استراتيجية مبررة، إما بدافع تكتيكي، لمواجه تحديات كل مرحلة في وقتها، أو في معظم الأمر كانت اعترافاً بالعجز عن مواجهة الحاضر، وبالتالي لا مبرر لاستشراف المستقبل أو الانشغال به.

لكن شروع البرلمان في النظر في تعديل الدستور، قبل أيام، حسم التكهنات بخصوص نوايا النظام. ما كان مؤقتاً، بفعل الأمنيات، في طريقه لأن يضحي مؤبداً. تأجيل المواجهة، بدوافع وأغراض مختلفة، بلغ نهايته أيضاً. فتعديل الدستور المرتقب لتمديد الفترات الرئاسية لا يغلق الباب على الأمل في تغيير وشيك في منظومة الحكم في مصر، ووجوهها، بل يسد الباب على أي مراهنة على الوقت، أن يأتي المستقبل القريب، بتغيير ما، أو بتحول مفاجئ في تدابير القدر. يظل الأمل في التغيير خصماً للسلطوية بكل صورها. لكن، مع هذا، فإن السلطوية تحتاج حداً أدنى من التمني، بعضاً من الرجاء المؤسَّس على اليأس المبطن أو الاعتراف المراوغ بالعجز.

يدرك النظام بأن تمديد فترات الرئاسة يحرمه من مساحات لتمني العاجزين وتأجيل غضبهم. لذا يسعى إلى استرضاء فئات من الجمهور، بتضمين عدد أكبر من التعديلات الشكلية. فكوتا للنساء والأقباط في البرلمان ستكتسب قليلاً من الرضا في الداخل، والخارج أيضاً. ورفع الحصانة عن منصب شيخ الأزهر، ربما يرضي المنادين بالعلمانية والكثير من مثقفي السلطة، والتأكيد على دور الجيش في صيانة الدستور والديموقراطية سيرضى قياداته والكثير من مؤيدي المؤسسة العسكرية. وربما تساهم تلك الإغراءات التافهة، ولو قليلاً، في تمرير التعديلات الدستورية في استفتاء شعبي، لكنها لن تكون ذات قيمة بعد ذلك في تبديد حالة اليأس الجاثمة فوق رؤوس الجميع.

بدأ النقاش حول جدوى المشاركة في الاستفتاء أو المقاطعة، بالفعل. ومع أن الجدل لا يحمل في مبرراته أي جديد عما طرح حول عمليات تصويتية أخرى في مراحل سابقة، إلا أن ما يميزه هو حس بالضرورة الملحّة والطارئة لدى جميع أطرافه، وبأن وقت التمنيات قد انقضى. تبدو معركة الدستور مصيرية بالفعل، لا كونها الخطوة الأخيرة التي يحتاجها النظام لتأبيد وجوده واستمراره، بل لأنها تمهد لواقع أوضح، لا مجال فيه للتكهنات حسنة النية. فما يمكن أن تتيحه الأسابيع المقبلة هو إما اعتراف كاشف بالعجز أو إدراك لحتمية الفعل وآنيته.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024