سيناريو لمفاوضات أميركية أيرانية

حسن فحص

الأحد 2019/06/30
لم يبد الرئيس الاميركي دونالد ترامب في مؤتمره الصحافي بعد انتهاء اعمال قمة دول مجموعة G20 اي معارضة او موقف سلبي عندما فاتحه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بنيته زيارة ايران ولقاء المسؤولين الايرانيين لبحث ازمة الملف النووي والتوتر العسكري الذي تشهده منطقة الشرق الاوسط وانعكاساته على السلم والامن الدوليين. 

في المقابل، بدأ الرئيس الفرنسي التمهيد لهذه الزيارة التي لم تأخذ بعد صفتها النهائية ولم يتم تحديد موعدها، والتي قد تشكل استمرارا للرغبة التي سبق ان ابداها لزيارة طهران مع بداية الازمة بين طهران وواشنطن. 

فالزيارة الفرنسية قد تشكل محاولة اوروبية لاقناع القيادة الايرانية بضرورة التخفيف من تصلبها ومواقفها الحادة الرافضة لاي مفاوضات مع الجانب الاميركي، وضرورة تخفيض سقف طموحاتها في فرض شروطها التفاوضية بعودة واشنطن الى الاتفاق النووي والغاء العقوبات الاقتصادية قبل اي حوار او الجلوس الى طاولة المفاوضات. 

رسائل ماكرون للقيادة الايرانية جاءت واضحة ومباشرة، حسب ما نقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية "IRNA" وكشف عن ملامحها بالتأكيد ان الجانب الاوروبي لن يلجأ الى فرض عقوبات سريعة اقتداء باميركا حتى في حال انسحبت ايران من الاتفاق النووي، وان اوروبا لن تتحرك مباشرة نحو فرض عقوبات، بل ستعود الى الاتفاق النووي وشروط تطبيقه بدقة والتأكد من حصول مخالفات ايرانية لهذا الاتفاق، وفي حال التأكد من حصول خرق ايراني للاتفاق فان الجانب الاوروبي سيقوم بالتشاور مع الوزير الايراني المختص في هذا الامر.

جهود الرئيس الفرنسي مع القيادة الايرانية ستنطلق من الخطوة الايجابية التي قام بها الاتحاد الاوروبي في اطلاق آلية التعامل التجاري والمالي التي انشأتها الترويكا الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا)، وانضمام كل روسيا والصين الى عضويتها، وذلك خلال الاجتماع الاخير للجنة الاشراف على تنفيذ الاتفاق النووي في فيينا، وامكانية البناء عليها خصوصا بعد قيام الصين بكسر القرار الاميركي باعلانها استيراد اول شحنة من النفط الايراني، وبالتالي الانتقال الى مرحلة متقدمة واكثر شمولية لكل المسائل المطروحة على ساحة الصراع بين واشنطن وطهران بما فيها العقوبات الاقتصادية. 

اوساط ايرانية قريبة من دوائر القرار لم تستبعد ان يسمع الرئيس الفرنسي في زيارته في حال تمت، رؤية من مستويين او على مرحلتين. 

تقوم الاولى من وجهة نظر ايران على امكانية تحويل اجتماعات لجنة الاشراف على تنفيذ الاتفاق النووي الى مكان يتم فيه التفاوض حول المخاوف والهواجس الاميركية في ما يتعلق بالاتفاق النووي والطموحات الايرانية العسكرية النووية، وان تقوم الالية لاجراء مثل هذه المفاوضات على مشاركة واشنطن في هذه الاجتماعات بصفة "مراقب او مستمع" مع اسقاط طهران شرط عودة الولايات المتحدة عن قرار الانسحاب. ثم يتم البحث بهذه الهواجس والعمل على مقارنتها بما جاء في نص الاتفاق، وان يتم ادخال تعديلات على بنود هذا الاتفاق في حال لم تكن ملحوظة في نصوصه. وبالتالي تكون الطريق مفتوحة امام تهدئة الهواجس الاميركية من دون المساس بأصل الاتفاق او نزع الشرعية عنه بالذهاب الى اتفاق جديد.  وتنتهي بقرار اميركي، اما بالبدء في الغاء العقوبات الاقتصادية او حصرها في الجانب الاميركي وعدم شمولها للاطراف الدولية الاخرى. 

وتقوم الثانية على الانتقال الى المرحلة التالية من التفاوض الثنائي بين واشنطن وطهران حول الملفات الاخرى، خصوصا الملفات الاقليمية والبرنامج الصاروخي، شرط الانتهاء من المرحلة الاولى. 

ولا تستبعد هذه الاوساط ان تبدي طهران إستعداداً لبحث ملفاتها الاقليمية او ما تصفه واشنطن بالنفوذ الاقليمي المزعزع للاستقرار، من خلال تقديم صيغة توافقية بان تعمد ايران الى اعادة هيكلة هذا النفوذ وضبط الجماعات الموالية لها خصوصا في العراق تحت سقف الدولة والقرارات الحكومية، بما يضمن وضع حد لحالة الانفلات السياسي والعسكري والامني الذي تتسبب به ممارسات الفصائل المسلحة الموالية لها مستغلة إسم الحشد الشعبي الذي اصبح جزءًا رسمياً من المؤسسة العسكرية العراقية بناء على القانون، وبما يضمن المصالح الاميركية السياسية والامنية والاقتصادية في هذا البلد. 

وفي الملف اليمني، تقول هذه الاوساط، ان طهران وضمن تمسكها برؤيتها للحل السياسي في هذا البلد والتي تقوم على مبدأ الشراكة الوطنية والاعتراف بالحجم التمثيلي لجماعة "الزيدية" في اي سلطة يمنية جديدة في مؤسسات الدولة الادارة والعسكرية والامنية والاقتصادية. فانها على استعداد لممارسة دورها وضغوطها على جماعة "انصار الله" للحد من العمليات العسكرية التي تستهدف العمق السعودي بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، بما يريح الجانب السعودي ويسمح باطلاق العملية السياسية للحل. 

وفي الملف اللبناني، فان طهران ستعيد التأكيد على تأييدها للجهود الاميركية التي بدأت بموافقة حزب الله لترسيم الحدود بين تل ابيب ولبنان والتي يقودها مساعد وزير الخارجية دايفيد ساترفيلد، وان تأتي نتائجها ملبية للمطالب اللبنانية التي تساعد طهران على بذل جهودها من اجل اطلاق المرحلة الثانية التي تلي ترسيم الحدود، والتي تتضمن مسائل عدم الاعتداء الجوي والبري والبحري والصاروخي بين اسرائيل والذراع الايرانية الاقوى في الاقليم.

اما في الموضوع السوري، فلم يكن مفاجئا الزيارة التي قام بها سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي شمخاني الى العاصمة الروسية موسكو للقاء نظيره الروسي قبل ايام فقط من الاجتماع الذي استضافته مدينة القدس بين مسؤولي الامن القومي الاميركي والروسي والاسرائيلي وجدول اعمال محدد يتمحور حول الازمة السورية وآلية التعامل مع الوجود الايراني في هذا البلد. وهي الزيارة التي من المحتمل انها جاءت من اجل تنسيق المواقف بين الجانبين حول أفق التعاون في الملف السوري وتقديم كل التسهيلات من اجل تحريك آلية الحل السياسي تحت سقف حفظ المصالح وبقاء الاسد في السلطة واستمرار النظام ووحدة الاراضي السورية.

اما في الملف الفلسطيني وما يسمى "صفقة القرن" فان طهران ستلتزم موقفها المبدئي الذي سبق ان اعلنته عام 2000 في الجمعية العمومية للامم المتحدة على لسان وزير خارجيته آنذاك كمال خرازي وعاودت التأكيد عليها في اكثر من مناسبة، بانها تقبل بما يقبل به الشعب الفلسطيني، بما فيه المبادرة العربية للسلام. وبالتالي ضبط ايقاع موقف الفصائل الموالية او القريبة منها تحت هذا السقف.

وتضيف هذه الاوساط ان التوصل الى تفاهمات حول هذه الملفات وهذه الآليات قد تسمح لطهران الانتقال الى بحث موضوع العلاقات الثنائية والدبلوماسية مع واشنطن، ومعها العلاقات الاقتصادية وفتح الطريق امام الاستثمارات الاميركية في الاقتصاد الايراني التي يسعى من أجلها ترامب من باب العقوبات الاقتصادية والحصار المفروضين على ايران.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024