الرابحون من تدهور الليرة

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/09/30
قريباً سيشعر اللبنانيون بتدهور وضعهم المعيشي بعد ولادة السعر الموازي لصرف الدولار في السوق السوداء، ومراكمة القيود المصرفية على حسابات الزبائن. من يقبض بالليرة، أي الغالبية الساحقة من الناس، سيُواجهون ارتفاعاً في أسعار السلع المستوردة (80 في المئة من استهلاكنا)، وعلى رأسها المواد الغذائية غير "المدعومة". بيد أن مصرف لبنان لا يفتح عمليات التحويل على مصراعيها، بل يُوفر آليات عبر المصارف لاستثناءات بحسب سعر الصرف الرسمي (1512 ليرة للدولار الواحد).

طبعاً سعر السوق أعلى على المستهلك اللبناني. لذا فإن المستورد صاحب الاستثناء، سيحصل على الدولار بسعره الرسمي. الرواية الرسمية هي أن المستورد سيحصل عبر المصرف على استثناء لصرف العملة بالسعر الرسمي لاستيراد المواد الأساسية مثل الوقود والقمح، على أن يتولى بيعها بالسعر المتعارف عليه رسمياً في الداخل اللبناني. هذا يفترض أن المصارف والتجار اللبنانيين سيلتزمون بالكوتا المطروحة، وأن نظام التطبيق سيكون صارماً للغاية. هذا التزام لم يشهده لبنان منذ الاستقلال.

وبما أننا في الجمهورية اللبنانية حيث الفساد واقع يومي، علينا طرح أسئلة عن معايير "الاستثناءات" ومن يفوز بها، وحدود الصرف. وهذه الأسئلة مطلوبة بقوة لأن ولادة سعري صرف (رسمي وغير رسمي)، تفتح مجالاً لأرباح خرافية لمن يخضع لهذه الاستثناءات، وهم إجمالاً في هذه الحالات (بلدان العالم الثالث) من المحسوبين على رجالات السلطة. في هذه الدول، يُحوّل التاجر (صاحب هذا الاستثناء) مبلغاً بالسعر الرسمي للعملة الى الدولار، ومن ثم يُعيد تدويره عبر السوق السوداء لتحقيق ربح سريع وخيالي على حساب المواطنين غير المحظيين.

وعلينا التفكير منذ الآن، قبل بدء مصرف لبنان اجراءاته، بمن يربح اليوم من سعري الصرف. السؤال الأول هو عن استثناءات المصارف الخاصة نفسها. هل تمنع كبار المقاولين المحسوبين على القادة السياسيين، من التحويل بالسعر الرسمي، تماماً كما تفعل مع المواطن العادي؟ هل تجرؤ المصارف القريبة من السياسيين والمحسوبة عليهم في بعض الحالات، على منع هؤلاء التجار والمقاولين المحظيين من التحويل بالسعر الرسمي؟

الواقع أن هؤلاء المقاولين يتعاملون مع الدولة اللبنانية بكافة المجالات، ولا بد أن يربطوا بين هذا "البزنس" وما يحمله من أرباح للسياسيين أنفسهم، بسعر الصرف الرسمي. وهذه المعاملة ترفع الفارق في الربح كلما اتسعت الهوة بين سعري الصرف (هي اليوم أكثر من 10 في المئة). في البلدان الخاضعة للعقوبات، ترتفع هذه النسبة بشكل مضطرد، كما هو الحال في فنزويلا وايران.

قبل شهور، دانت محكمة أميركية مسؤولين ورجال أعمال فنزويليين، بينهم أقارب للرئيس نيكولاس مادورو، بالفساد نتيجة استغلالهم الفارق بين سعري الصرف. وفقاً لصحيفة "ميامي هيرالد" الأميركية، قدمت هذه الشبكة قرضاً بالعملة المحلية تبلغ قيمته بالسوق السوداء 42 مليون دولار، للحكومة الفنزولية، لكن التحصيل كان بالدولار، ووفقاً للسعر الرسمي. بالسوق السوداء عام 2014، كان الدولار الواحد يشتري 174 بوليفار فنزويلي، في حين احتفظت الحكومة بسعر رسمي للصرف هو 12 بوليفار فقط! نتيجة الفارق بسعر الصرف (14 مرة عن السوق السوداء)، حصلت هذه المجموعة المحظية، على 600 مليون دولار بدلاً من 42 مليوناً هي القيمة الحقيقية للقرض.

تخيلوا أن المقاولين المحظيين سياسياً، ستُتاح لهم فرص من هذه النوعية. يُعمم هذا السلوك، لو تواصل، منطق الهندسات المالية لمصرف لبنان التي أتت بفوائد وأرباح خيالية للمصارف، بحجة الحفاظ على الوضع النقدي (فعلاً؟). هذا انتقال في أسلوب الربح من العمولة (الكوميسيون)، إلى عملية شفط مباشرة (syphoning).

مثل هذا الأسلوب يليق بالطبقة السياسية المليشيوية في لبنان، ورجالاتها في عالم الأعمال.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024