مكافحة كورونا بلوائح الإرهاب

شادي لويس

الثلاثاء 2020/04/28

تصل قوات الأمن إلى منزل المترجمة المصرية مروة عرفة، في شرق القاهرة، وتقتادها إلى مكان مجهول. في الإسكندرية، يلقى القبض على الباحثة والمترجمة خلود سعيد، بالطريقة نفسها، الطريقة التي أضحت عرفاً، مقبولاً أو على الأقل متوقعاً، الإخفاء القسري كروتين مكتبي. الأسرتان تتقدمان ببلاغات للجهات المختصة وللنائب العام، وسبعة أيام تمر، ولا أخبار. إعلان بسيط ومباشر عن عودة الحياة إلى طبيعتها، دولاب العمل يدور، وجهاز الأمن يعود إلى مهامه. المطالبة بالإفراج عن السجناء لتخفيف الضغط في السجون في فترة الوباء، والآمال التي عقدت على قرارات عفو تشمل سجناء الرأي والسياسيين تتبدد جميعها، وتتراجع إلى مجرد المطالبة بالسماح بدخول الأدوية إلى المساجين، بدخول محلول معالجة الجفاف إلى علاء عبد الفتاح، المضرب عن الطعام في محبسه. وتدرج محكمة الجنايات، البرلماني السابق زياد العليمي، و12 آخرين من متهمي قضية "خلية الأمل"، في لائحة الكيانات الإرهابية، خطوة لا تشير فقط إلى تجريم النظام للمعارضة السلمية، بل بوضعها في الكفة ذاتها مع الإرهاب.

ليست هذه هي المرة الأولى بالتأكيد، لكن التوقيت على الأغلب مقصود. يعوض النظام لحظة الارتباك التي إصابته، كما أصابت الجميع مع ظهور علامات انتشار الوباء. يسعى إلى محو آثار الهزة التي أصابت صورته إثناء حالة الترقب وعدم اليقين العابرة تلك، وبالأخص مع الإعلان عن وفيات في صفوف القيادات الوسطى في الجيش في البداية، وفي ظل التكهنات التي صاحبت الغياب الإعلامي للرئيس لأكثر من أسبوعين حينها. يدرك النظام أن أي هزة يتعرض لها هي تهديد وجودي، وربما تكون مصيرية، ولذا يؤكد سريعاً إنه مازال يمسك بزمام المبادرة، وفي وضع الهجوم كالعادة، يؤكد ذلك لنفسه قبل الآخرين.

معدلات الإصابة بكورونا، والوفيات المحدودة نسبياً، شجعت الحكومة على تقليص ساعات الحظر، مرة بعد أخرى. الأرقام بأي حال أصبحت علامات مجردة لا تعني الكثير، وأضحى الإجراء الصّوري أكثر صورية. الحظر من التاسعة مساءً إلى السادسة صباحاً، حظر أخلاقي أكثر منه لأي غرض آخر. جهات العمل في معظمها مفتوحة، والمواصلات والشوارع ومراكز التسوق أكثر ازدحاماً من المعتاد. وعمال الفترات المسائية مسموح لهم بالحركة، وكأن الحظر موجه ضد السهر أو التسكع أو وقت الفراغ، أو ربما ليوافق تصوراً للمجتمع كعنابر ثكنة عسكرية أو مصنع كبير، مصنع حربي في الأغلب، حيث يُختزل المواطن وعلاقته بالدولة والحيز العام في إطار فكرة الإنتاج، كهدف في حد ذاته، في استمراره، دوران عجلته كأولوية تأتي قبل أي شيء آخر وبأي ثمن.

تحافظ الدولة، في الحظر، على الاقتصاد وعلى مصالح المستثمرين ورجال الأعمال، بالقدر الذي تسمح به الظروف، وفي الوقت ذاته لا تضيع فرصة لترسيخ فكرة فرض القيود على الحركة وعلى التواجد في الأماكن العامة. تأكيد ممارسة المنع المعمم كضرورة أو كبديهية، لا تحتاج مبرراً أو إثباتاً.

تتقدم الحكومة المصرية بطلب حزمة جديدة من القروض من صندوق النقد. برنامج القروض الذي بدأ قبل أربعة أعوام، كان قد انتهى في يونيو/حزيران الماضي، ورئيس الوزراء يصف الخطوة بأنها "احترازية" لمواجهة آثار كورونا. الضرر الذي لحق بالاقتصاد المصري أكيد، توقف حركة السياحة بالكامل هي الضربة الأسوأ، وخروج رؤوس الأموال الأجنبية من الأسواق الناشئة أصاب السوق المصري كغيره، بضعة مليارات دولار تبخرت من احتياطي العملة الصعبة في شهرين. لكن الأضرار الأكبر ربما ستأتي في المدى الطويل، بصحبة تباطؤ الاقتصاد العالمي المتوقع، والذي بدأ البعض في وصفه بالكساد الكبير بالفعل. والنظام يظهر إنه مستعد لهذا كله، لا بالقروض الاحترازية فحسب، بل وقبل شيء آخر بالإخفاء القسري ولوائح الإرهاب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024