الابتهاج الروسي بالحدث الخليجي

بسام مقداد

الأربعاء 2019/09/18
في تعليق له على الحدث الخليجي ، كتب أحد المدونين الروس يقول ، بأنه يلاحظ في ردة فعل الكرملين على الحدث "بهجة يصعب إخفاؤها" . "حتى ارتفاع أسعار النفط ، ليس هو ما يبهجنا ، بل تبهجنا أية حرب ، أي اضطراب في أي منطقة من العالم ، في سوريا ، في أوكرانيا ، في فنزويلا . في أية حرب ، نحن مستعدون لدعم كل الأطراف ومدها بالسلاح ، وما الذي نجيده غير ذلك ، ما الذي يتبقى لنا غير هذا؟" ، يقول هذا المدون ، غاضباً من "ابتهاج" الكرملين لأي نزاع أو أزمة في العالم ، وعدم مبالاة الروس بالأمر.  

وينقل موقع "kasparov" الروسي المعارض عن مدونين آخرين تساؤلهم عن تأثير الحدث الخليجي على جيوب الروس ، وعلى أسعار النفط وسعر صرف الروبل مقابل الدولار واليورو . ويتساءل أحدهم عن الجهة الفعلية ، التي لها مصلحة في إخراج السعودية من سوق النفط ، ويلاحظ في تعليقه "أنهم" قد أخرجوا ، في البداية ليبيا من سوق النفط ، ثم تبعتها إيران ، ولحقت بها فنزويلا ... والآن جاء دور المملكة العربية السعودية. ويتساءل هذا المدون ما إن كان كل ذلك صدفة ، ولكنه لا يحدد من هم أولئك ،  الذين "أخرجوا" هذه البلدان من السوق . 

لكن الرئيس بوتين سارع من أنقرة للإجابة بصراحة عن تساؤلات المدونين الروس المعارضين وهواجسهم ، والإجابة عن المستفيد من أزمة الخليج وسبب "ابتهاجه" بها . فقد أعلن في المؤتمر الصحافي ، الذي أعقب لقاءه مع الرئيسين التركي والإيراني، عن استعداده لتقديم الدعم للسعودية، التي على قيادتها السياسية أن تتخذ "قراراً حكيماً" ، على غرار ما قامت به قيادة إيران بشرائها صواريخ S-300 ، وما قام به الرئيس إردوغان بشرائه S-400 ، وعندها سوف يحمون "بشكل موثوق" أية أهداف في العربية السعودية . 

وفي اليوم التالي لقمة أنقرة الثلاثية ، التي أشار بوتين في ختامها إلى "القرار الحكيم" ، الذي على القيادة السعودية اتخاذه ، نشرت نوفوستي مقالة لأحد كتبتها السياسيين أوضحت فيه كل أبعاد "الحكمة" ، التي ينصح بها بوتين السعوديين. فقد عنونت كاتبة المقالة نصها بكلام فاقع بصراحته حول ابتهاج روسيا الفعلي بالحدث الخليجي ، إذ قالت "السعوديون ضد طائرات الدرون ، الولايات المتحدة ضد إيران : روسيا تجمع القشدة" . وبعد أن تسترسل الكاتبة في سرد تفاصيل الحدث ، واتهامات واشنطن والسعودية لطهران ورد الأخيرة عليهما ، تقول بأن روسيا تستطيع أن تسمح لنفسها بمراقبة تطور الأحداث "بفضولية حقيقية ،  دون الشعور المفرط بالقلق" . وقالت بأن الكرملين قد سمى هجوم طائرات الدرون ب"الحدث المقلق" ، وأكد بأن "الرئيس في جو الحدث"، إضافة إلى أنه كانت لديه الفرصة لمناقشة الحدث مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في اسطنبول . وتتحدث عن تحسن سعر صرف الروبل مقابل الدولار ، وتحسن مؤشرات شركات النفط الروسية ، وتقول بأن من الواضح أن مجمل ظروف الحدث هي لصالح روسيا ، لكن المسألة تتخطى ارتفاع أسعار النفط ، الذي يصب في مصلحة الميزانية الروسية والإقتصاد الروسي . 

وترى الكاتبة ، أن القصة في حقيقتها ، هي أن أحداث السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط أفضت بروسيا إلى أن تختطف من الولايات المتحدة الدور الذي اعتاد الأميركيون على لعبه في هذه المنطقة الرئيسية من العالم ، كمستفيد رئيسي من العمليات الجارية فيها والقوة ذات النفوذ الأكبر فيها . وثمة ، برأيها، اختلافان ملحوظان في سلوك كل من موسكو وواشنطن في المنطقة . يقوم الأول منهما على أن روسيا تفضل أن تقف من الصراع موقف الوسيط والمصلح ، بدلاً من أن تتصرف كالفيل في متجر الزجاج ، كما الولايات المتحدة. والإختلاف الثاني يتمثل في أن العالم بأسره قد اقتنع بفعالية السياسة الروسية، التي تقوم على مبدأ الخطوات الصغيرة والضربات الدقيقة المحكمة . 

وتعتبر الكاتبة ، أن الحدث الراهن ، وعلى الرغم من صعوبته بالنسبة للرياض ، إلا أن ارتفاع اسعار النفط جاء لصالحها ، وبوسعها الإعتماد على موقف إيجابي من جانب موسكو في تسوية الوضع في اسواق النفط. أما واشنطن ، فهي بإصرارها على تعنتها من طهران ، توفر لموسكو فرصة تحسين وضعها في العمل مع إيران، هذا الشريك المهم والصعب في آن معاً . وتنصح الكاتبة أولئك المشككين في إمكانية نجاح موسكو في عرض الصواريخ ، الذي تقدمت به من الرياض ، أن يسألوا الرئيس التركي عن الأمر . 

من جهتها تتفق صحيفة الكرملين "vz" مع استنتاج نوفوستي في أن "هجوم طائرات الدرون كان لصالح الرياض" ، بل وافترضت الصحيفة أن السعودية كان لديها ، نظرياً ، الدافع لتقصف منشآتها بنفسها. وبعد أن تستفيض الصحيفة في الحديث عن تقنيات قصف المنشآت السعودية ، ومن أية جهة أتى ، تقول بأن ما رست عليه الإتهامات من تحميل إيران المسؤولية عن قصف تلك المنشآت ، يصب كلياً في سياق التهديد الأميركي بتوجيه ضربة قاصمة لمنشآت النفط الإيرانية . وتنقل الصحيفة عن خبير روسي قوله بأنه ، إضافة إلى جميع الفرضيات الأخرى عن مصدر الصواريخ ، ثمة فرضية أخرى ، بأن إسرائيل هي التي قصفت المنشآت السعودية ، وذلك لمصلحتها في جر الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران . ويستدل هذا الخبير على صحة فرضيته الإسرائيلية هذه ، بأن الهجوم تم عشية الإنتخابات الإسرائيلية ، التي اعتاد بنيامين نتنياهو خلالها أن يستخدم في سياقها خطاباً متشدداً ضد إيران لتعزيز مواقعه. 

وتقول الصحيفة ، أن المستفيد غير المتوقع من قصف المنشآت السعودية ، هي السعودية نفسها . وترى أن ارتفاع أسعار النفط بعد الهجوم، كان ارتفاعاً قياسيا، وكان بمثابة هبة للسعودية، التي تعاني من عجز في ميزانيتها بلغ هذا الصيف 8,9 مليار دولار. وتنقل الصحيفة عن خبير روسي في مجال أمن الطاقة، بأن عجز الميزانية يعود إلى انخفاض أسعار النفط دون المستوى المطلوب عشية تخصيص شركة آرامكو ، التي تم استبدال مديرها الأسبوع المنصرم ، ليحل على رأسها الأمير عبد العزيز إبن الملك سلمان . وتستغرب الصحيفة أن الهجوم قد تطابق في توقيته مع مجيئ الوزير الجديد ، الذي يهدف إلى رفع اسعار النفط . كما تستغرب الصحيفة ، بأن الهجوم استهدف معامل التكرير وليس مواقع الإنتاج ، مما لا يبرر ، برأيها، التخفيض الكبير ، الذي أعلنت عنه المملكة إثر الهجوم . وهي ترى أن في قصة الهجوم الكثير من القصص الصغيرة ، التي تثير الشكوك . 

لكن إعلام الكرملين لا ينفرد وحده "بالإبتهاج" بالحدث الخليجي ، والتأكيد بأنه يأتي لصالح روسيا . فقد كتب موقع "rosbalt" الإخباري المعارض والقريب من الشيوعيين في تعليقه على الحدث الخليجي يقول "كل الشرارات تتطاير صوب إيران ، أما الحلوى فهي من نصيب روسيا" . ويرى الموقع أن كل ما يجري في الخليج الآن هو "خبر جيد" بالنسبة لروسيا ، ولا ينحصر الأمر في ارتفاع أسعار النفط وتحسن سعر صرف الروبل ، بل تزامن الحدث مع انعقاد القمة الثلاثية في اسطنبول ، حيث جدول أعمالها كان يتمحور حول "خلق آلية راسخة لحل النزاعات في الشرق الأوسط" ، التي يقصد بها سوريا بالدرجة الأولى . وفي ظل الإحتدام الراهن للصراع بين الولايات المتحدة وإيران، لا شك بأن الإيرانيين سوف يصبحون أكثر قابلية للتفاوض بشأن تواجدهم ونفوذهم في سوريا ، إذ ليس من صالحهم الإختلاف مع موسكو في هذا الظرف ، حيث في حال الإنزلاق إلى الصراع المسلح ، ينبغي ضمان وقوف موسكو على الحياد ، إن لم يكن من الممكن ضمان كسبها كحليف . 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024