مضيق هرمز بين التهديد والحوار

حسن فحص

الأحد 2019/05/05
رسالة واضحة وجهها قائد اركان القوات المسلحة الايرانية الفريق محمد باقري الى كل الاطراف المعنية بأمن امدادات النفط وصادرته من الخليج عبر مضيق هرمز عندما رسم استراتيجية بلاده في التعامل مع التطورات المحتملة بالتأكيد انه "اذا لم يعبر النفط الايراني من مضيق هرمز فان نفط الاخرين لن يعبر هذا المضيق ايضا"، وذلك مع سريان القرار الامريكي بوقف الاعفاءات المتعلقة بتصدير النفط الايراني وبالتالي تصفير هذه الصادرات.

باقري الذي يمثل الموقع العسكري الاول بعد المرشد او القائد العام للقوات المسلحة، اكد ان ايران "ستستمر في توفير امن المضيق كما في السابق"، وان ايران "ستتصدى لاي جهة تريد ضرب الامن في المضيق التي يتولى مهمة توفيرها حرس الثورة الاسلامية"، ما لم يحدث اي تطور يدفع ايران للتخلي من هذه المهمة والانتقال الى سياسة الدفاع عن حقوقها في تصدير نفطها عبر هذا المضيق الذي تمتلك ثلثيه "طبقا للقانون الدولي للبحار".

وعلى الرغم من تأكيد باقري قدرة قواته المسلحة، خصوصا حرس الثورة على اقفال المضيق امام جميع انواع السفن وحاملات النفط والبوارج الحربية، الا انه لم يقفل الباب امام امكانية التوصل الى نقطة وسط مع الطرف الامريكي، تضمن لايران تصدير الحد الادنى من نفطها والذي قد لا يتعدى 700 الف برميل في اليوم حسب تقديرات مساعد وزير الخارجية الاسبق السفير حميد رضا آصفي عبر هذا المضيق، منعاً لوصول الامر الى المواجهة التي لا يرغب بها احد، خصوصا الرئيس الامريكي دونالد ترامب.

فايران تعتبر ان المنطقة والعالم يعيشان في حالة من عدم الحسم في جميع الامور، وان المجال مفتوح امام الجميع للتوصل الى تسويات تمنع الوصول الى الحرب، على العكس من رغبة بعض الاطراف في الادارة الامريكية خصوصا مستشار الامن القومي جون بولتون. لكن طهران تراهن ان يكون هذا الفريق مدركاً بشكل جيد لمدى قدرات ايران في المنطقة، وان يلتزم حدود الضغط الاقتصادي والعقوبات والغاء الاعفاءات النفطية.

وتتعامل ايران مع المواقف التي اطلقها وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو عن توقعاته بايام صعبة ستواجهها ايران بعد الغاء الاعفاءات وتصفير صادراتها من النفط، بانها مواقف لا تأخذ بالاعتبار ما تتمتع به ايران قدرات ومن اوراق "رابحة" برزت من خلال بعض التصريحات التي خرجت من مسؤولين ايرانيين تتحدث عن اقفال مضيق هرمز والجدل الدولي وحتى داخل الادارة الامريكية حول هذا الموضوع والذي دفع رئيس البيت الابيض الى توجيه تحذير مباشر بعد تصريحات بومبيو من مغبة ان تقوم ايران باقفال مضيقي هرمز وباب المندب، وهو ما اعتبرته ايران يمثل مدى القلق الرئيس الامريكي من اي اجراء ايراني في هذا الخصوص، وان اشارته لمضيق باب المندب لم تكن من باب لزوم ما لا يلزم، بل انطلاقا من فهمه ومعرفته لحجم النفوذ الايراني على الضفة اليمنية للمضيق وقدرة حلفاء طهران – الحوثيين – على ارباك عبور امدادات النفط والتجارة من هذا المضيق، خصوصا وان التلميحات الايرانية تزامن مع اعلان الحوثيين عن تطوير قدرات صاروخية بحرية قادرة على استهداف السفن العابرة في مياه البحر الاحمر.

تصويب المواقف الايرانية الذي اعلنه الفريق باقري بوضع شروط لاقفال المضيق، اعاد توجيه رسالة ايران حول امكانية التعايش مع الادارة الامريكية والتصعيد الذي تمارسه، من خلال تأمين الحد الادنى من تصدير النفط، وان لا تجبر ايران على اتخاذ خيار قد لا يكون في صالح اي من الاطراف المستفيدة من المضيق، حتى ايران. هذا التصويب وضع حدا لتعدد المواقف الايرانية حول احتمالات الرد والتعامل مع موضوع المضيق الاستراتيجية، وبالتالي رسم الاستراتيجية الايرانية في هذا الاطار. وان الموقف الذي اعلنه سيكون له التأثير المطلوب لدى كل المعنيين بالامر، خصوصا وان الموقف لا يمثل المؤسسة العسكرية وحسب، بل يمكن اعتباره صادرا عن اعلى سلطة سياسية وعسكرية ودينية في النظام يمثلها المرشد الاعلى، ما يعطيها صفة القطعية والخيار الاستراتيجي في حال وصلت الامور الى طريق مسدود.

واذا ما كانت ايران لن تسقط من حساباتها العمل والتحرك على المستوى السياسي من خلال تفعيل الاتصالات الدبلوماسية التي يتولى مهمتها وزير الخارجية محمد جواد ظريف والرسائل التي يوجهها عن الخطوات التي قد تلجأ ايران لاتخاذها ردا على الضغوط الامريكية، وتوظيف هذه الرسائل من اجل التوصل الى نقطة وسط لاطلاق حوار ومفاوضات مع واشنطن تضمن الحد الادنى لمصالح ايران وموقعها من دون تنازلات مؤلمة، فان المواقف التي تصدر عن المؤسسة العسكرية تعتبر عاملا مساعدا وداعما لهذا المسار الدبلوماسي، خصوصا وان الجميع في ايران، السياسي والعسكري، متفقون على عدم الذهاب الى خيار الحرب والمواجهة العسكرية المباشرة مع واشنطن او غير المباشرة مع حلفائها، ومواقف المؤسسة العسكرية مبنية على معطيات واقعية، وان اللجوء الى الخيار الاخير لن يكون الا اذا وضعت ايران في مواجهة اوضاع وتحديات تهدد بقاءها واستمرارها واستقرارها، عندها وامام هذه التحديات لن يكون امام طهران خيار سوى تحويل اوضاع كل الدول المعنية والمشتركة في هذا الامر الى حالة عدم الاستقرار بما في ذلك حرمانها من تصدير نفطها والتجارة البحرية. وعندما تكون جميع الاطراف المعنية بالتأزيم امام تحدي الاستقرار وعدمه، فانها ستكون مضطرة للجلوس الى طاولة التفاوض، وهو ما تحاول الدبلوماسية الايرانية ترك بابه مفتوحا، للحد من التوتر وادارته بين طهران وواشنطن وقطع الطريق على اي طرف اخر من استغلال الامر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024