المهاجرون وسيلة الدكتاتور البيلوروسي لإبتزاز أوروبا

بسام مقداد

الثلاثاء 2021/11/16

 

آلاف المهاجرين من أبناء الشرق الأوسط محاصرون بين الحدود البيلوروسية والبولونية، ومتروكون لصقيع غابات أوروبا وإبتزاز ديكتاتور بيلوروسيا ألكسندر لوكاشنكو وعسف رجال أمنه الذين يستغلون المهاجرين للتكسب من مأساتهم. تحولت قضية هؤلاء إلى أزمة سياسية حادة بين الإتحاد الأوروبي وبيلوروسيا ومن ورائها الكرملين المتهم أوروبياً بدفع لوكاشنكو إلى تصعيد الأزمة السياسية المتفجرة، والتي أخذ البعض يتحدث عن إمكانية إنفجارها عسكرياً. فقد صرحت وزيرة الخارجية البريطانية الأحد المنصرم بأن موسكو تتحمل مسؤولية أزمة المهاجرين على الحدود البولونية البيلروسية، وقالت بأن على موسكو الضغط على السلطات البيلوروسية لوضع حد للأزمة وبدء المفاوضات. وتتهم السلطات البيلروسية بإستخدام "المهاجرين البائسين" كأحجار شطرنج في محاولة زعزعة الاستقرار والتمسك بالسلطة، من دون الإلتفات إلى العواقب الإنسانية. وأكدت أن بريطانيا لن تغض النظر عن ما يجري، وهي عازمة على البقاء إلى جانب الحلفاء في المنطقة الذين يقفون على "الخط الأمامي" في الدفاع عن الحرية. 

سارعت الناطقة بإسم الخارجية الروسية إلى الرد على الوزيرة البريطانية، مذكرة إياها بمسؤولية بريطانيا عن تهجير العراقيين، إذ يقال أن الغالبية العظمى من مهاجري الأزمة الراهنة هم من العراقيين، وخاصة من الكرد، وإن كانت مواقع إعلامية أنهم من مختلف بلدان الشرق الأوسط.  وقالت الناطقة الروسية بأن 45 الف جندي بريطاني ساعدوا الولايات المتحدة في إحتلال العراق، وفي قتل مواطنيه ونهب ثرواته. وحملت بريطانيا "المسؤولية الواضحة" عن كل ما يجري في المنطقة منذ ذلك الحين من قتل العراقيين وتدمير العراق وسيل الهجرة الذي لا ينقطع وظهور الدولة الإسلامية والكوارث الإنسانية في هذا الجزء من العالم. وإلى أن تتحمل بريطانيا المسؤولية عن كل جرائمها، تقول الناطقة الروسية بأنه "لا يملك ممثلوها الرسميون الحق بتوجيه الإتهامات إلى أي كان".

الموقف الروسي الرسمي من الأزمة الراهنة يدعو إلإتحاد الأوروبي إلى معالجتها بالطريقة عينها التي تمت فيها تسوية مسألة المهاجرين مع تركيا. وبدلاً من المساعدات المالية السنوية التي لا تزال تركيا تحصل عليها من الإتحاد الأوروبي، تدعو روسيا الأوروبيين إلى الحوار مع لوكاشنكو الذي قطعه الأوروبيون صيف العام الماضي على اثر الإنتخابات الرئاسية البيلوروسية، والتي اتهم لوكاشنكو بتزويرها واغتصاب الكرسي الرئاسي، مما فجر موجة إحتجاجات شعبية واسعة ضده، قمعها الديكتاتور بالقوة، وليس من دون المساعدة الأمنية الروسية المباشرة، على ما قيل يومها. 

لا يختلف موقف الكرملين حيال لوكاشنكو عن موقفه من الأسد، إذ لا يترك فرصة إلا ويستخدمها لدفع أوروبا لبدء التفاوض معه وتخطي جرائمه حيال الشعب البيلوروسي وكونه الديكتاتورية الأخيرة المتبقية في أوروبا بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي. وكان وزير الخارجية الروسي لافروف قد تساءل لماذا لا يعالج الإتحاد الأوروبي الأزمة الراهنة مع بيلوروسيا كما حلها سابقاً مع إردوغان، متجاهلاً كل إعتراضات الأوروبيين على لوكاشنكو وأسلوبه القمعي بحق شعبه، تماماً كما يتجاهل الكرملين كل جرائم الأسد حين حاول ويحاول دفع الغرب إلى التطبيع معه والمساهمة في إعادة إعمار سوريا تحت قيادته. وقد نقلت قناة تلفزة بلدية موسكو "موسكو 24" عن مدير المعهد الدولي لمعهد الدول الحديثة ألكسي مارتينوف قوله بأنه سيتعين على الغرب أن يتفق مع الرئيس البيلوروسي لوكاشنكو. ورأى أن ثمة طرقاً مختلفة لحل المشكلة، لكن في جميع الأحوال لا يمكن التوصل إليها سوى على طاولة المفاوضات.   

يقول مارتينوف بأن الإتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أنه يكره بشدة الرئيس التركي أردوغان، إلا أنه تفاوض معه. ويتلقى إردوغان سنوياً 3 – 4 مليار يورو مقابل لجم سيل المهاجرين بإقامة مخيمات لهم على الأراضي التركية. وحسب موقف الكرملين الرسمي، يحمل الرجل الغرب المسؤولية عن تدهور ظروف الحياة في العديد من دول الشرق الأوسط. فالغرب ككل، ومن ضمنه أوروبا، دمر بلداناً بكاملها كان يعيش فيها الناس الذين يتحولون الآن إلى مهاجرين يحاولون بكل السبل الوصول إلى أوروبا. ويذكّر بان بولونيا دعمت عملية تدمير العراق والقضاء على ليبيا وعمليات الإئتلاف الدولي العسكرية في سوريا. 

كان الرئيس الروسي بوتين نفى في مقابلة تلفزيونية السبت المنصرم مع شبكة vesty أية علاقة لبلاده بهذه الأزمة، وقال بأنه  لأول مرة يسمع بتهديد لوكاشنكو قطع الغاز الروسي الذي يمر عبر بيلوروسيا إلى أوروبا. ورأى أن هذا التهديد سيضر بأمن الطاقة في أوروبا، ولن يفيد في تعزيز العلاقات بين روسيا وبيلوروسيا. وقال بأن على القادة الأوروبيين التفاوض مع لوكاشنكو إذا كانوا يرغبون في حل الأزمة الناجمة عن تكدس المهاجرين على الحدود مع بولونيا ومعظمهم من الشرق الأوسط. وبالرغم من أنه نفى أن يكون لوكاشنكو بحث معه التهديد بقطع الغاز الروسي عن أوروبا "مع أنني تحدثت مرتين في المدة الأخيرة" مع لوكاشنكو، إلا أنه قال بأنه سيبحث الأمر معه وذكر الأوروبيين بأهمية هذا التهديد. وقال بأن قطع الغاز عن أوروبا أمر ممكن، فقد أقدمت أوكرانيا على ذلك في وقت سابق. ولم ينس بوتين أن يحمل أوروبا مسؤولية الأزمة الراهنة بفعل سياساتها العسكرية والإقتصادية، ونفى عن لوكاشنكو أية مسؤولية عن الأزمة. 

موقع مركز كارنيغي موسكو، وفي نص تساءل في عنوانه عما ستؤول إليه الأزمة على الحدود البيلوروسية البولونية، يقول بأنه ليس في أوروبا أية إشارات إلى أن أحداً ما مستعد للحوار مع لوكاشنكو، وليس من أسباب للحوار. وفي حال أسوأ سيناريوهات الصراع مع بيلوروسيا بشأن المهاجرين، لن يكلف الأمر الإتحاد الأوروبي أكثر من إضافة بضعة آلاف من المهاجرين في بحر تدفق سيلهم إلى أوروبا. حشود اللاجئين المقتحمة حدود الإتحاد الأوروبي أصبحت مشهداً إعتيادياً في السنوات العشر الأخيرة. لكن ما أن ظهر اللاجئون، ليس في إيطاليا أو البلقان، بل على حدود بولونيا وبيلوروسيا حتى تحول ذلك إلى حدث عالمي كبير. 

المسألة في أن من ساعدهم للوصول إلى هناك ليسوا تجار البشر أو سواهم من التشكيلات المافياوية، بل السلطات البيلوروسية. وبسبب هذا الفرق أصبح من غير الممكن دخولهم إلى الإتحاد الأوروبي، الأمر الذي كان يعتبر في الحالات الأخرى عملاً إنسانياً وإلتزاماً بالقيم الإنسانية العامة، أما هنا فيتحول إلى دعم للديكتاتور وإستعداد للانحناء أمام إبتزازه. 

وعن علاقة روسيا بالأزمة يقول الموقع بأن الصورة الحالية للأزمة توحي بأن بيلوروسيا أصبحت أكثر عزلة وارتباطاً بروسيا، والإتحاد الأوروبي يبدو عاجزاً، مخادعاً وغير قادر على مد يد العون للبلدان المنضوية في صفوفه. وينفي الإتهامات الغربية لموسكو بالوقوف وراء الأزمة، وبأنها لا تجني منها سوى الفوائد، ويؤكد بأنه لم يبرز شيئ محدد خلال الأسابيع الأخيرة يثبت ذلك. 

ومنطق هذه الأزمة يثبت تناقض الإتهامات بوقوف موسكو وراءها. فيرى الموقع أن مشكلة المهاجرين كان يحتاجها لوكاشنكو لإجبار الإتحاد الأوروبي لاستعادة الحوار معه. وهو يعتبر أنه بهذه الطريقة الغريبة يمكن إستعادة تعدد التوجهات في سياسة بيلوروسيا الخارجية والتخفيف من عزلته عن الغرب وإضعاف إرتباطه بموسكو. ويقول الموقع بأنه ليس من المفهوم في هذه الحالة لماذا تدعم موسكو مينسك في تنفيذ مشروعٍ هذه هي أهدافه. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024