الاستفتاء المصري: مهانة وإرغام

شادي لويس

الثلاثاء 2019/04/23
كيلو سكر، وكيلو أرز، ونصف كيلو مكرونة، ونصف كيلو سمنة، وعبوتان من صلصلة الطعام المحفوظة وكيس ملح طعام، بكلفة حوالى دولار ونصف، هي محتويات الكرتونة التي تم توزيعها لتشجيع الناخبين على المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية. الرشاوى المادية والعينية، طقس له تاريخ طويل في الانتخابات المصرية، ولم يقتصر استخدامه على الدولة أو حزبها، فالمستقلون ومرشحو أحزاب التيار الإسلامي، وفي أحيان أقل المرشحون المحسوبون على المعارضة العلمانية، لطالما لجأوا لأساليب مشابهة في الدعاية وحشد الناخبين. إلا إن مشاهد توزيع المواد التموينية وطوابير المواطنين عليها هذه المرة، والتي نقلتها وسائل الإعلام، كانت الأكثر وضوحاً وإحراجاً للنظام.

فمقارنة بعمليات التصويت السابقة، منذ 30 يونيو2013، ظهر من مشهد لجان الاقتراع شبه الخالية أن قدرة النظام على حشد المواطنين للتصويت قد تراجعت بشكل كبير. والعجلة التي تم بها تحديد موعد الاستفتاء، من دون إتاحة الفرصة لمناقشته ولو صورياً في وسائل الإعلام، مع قناعة شبه كاملة لدى معظم الناخبين بأن نتائجه محسومة، بالإضافة إلى فتور حماس مؤيدي النظام الأكثر إخلاصاً أو تحولهم عنه بسبب الأوضاع الاقتصادية.. كل هذا كان كافياً لتوقع إقبال متواضع على التصويت.

ومن الواضح أن شبكة وكلاء النظام المحليين لم يبذلوا جهداً كافياً في السعي إلى جمع الأصوات. فمقارنة بعمليات التصويت الجماعي الواسعة لموظفي المؤسسات العامة والخاصة، وعمليات شراء الأصوات النقدية، في السابق، تم الاكتفاء هذه المرة بـ"كرتونة رمضان"، التي أضحت طقساً مذلاً شبه سنوي في أي حال. ودفعت مَشاهد الكراتين المخزية، إلى خروج وسائل الإعلام الموالية للنظام بردود أفعال متناقضة أضافت إلى عبثية المشهد ومهانته. فعلى سبيل المثال، يقر محمد الأمين، في مقاله في "المصري اليوم"، بعنوان "كراتين الاستفتاء"، بأن عمليات توزيع مواد تموين على الناخبين قد حدثت بالفعل، لكنه يلوم على هؤلاء ممن "ينظرون للغلابة في كيلو سكر وزيت"، ويوجه كلامه لهم: "ترفعوا، إنها مناسبة ليفرح هؤلاء البسطاء". أما جريدة "الأهرام"، الأعرق في مصر، ومعها "اليوم السابع"، فعلى العكس، رسمت سيناريو خيالياً مثيراً للشفقة من فرط بلاهته، فكشفت "فضحية" الحزب الموالي للإخوان الذي قام بعملية توزيع الكراتين وقام بتصويرها في محاولة إلصاق التهمة بالنظام!

وهكذا، رغم الكراتين، وفقرات الدعاية المُمسرحة المعتادة في وسائل الإعلام حيث يظهر معوقون ومسنون وهم يدخلون لجان التصويت بمساعدة الشرطة أو رجال الإسعاف، فإن النظام تحسس فتوراً مقلقاً تجاه التصويت. لذا، في يوم الإثنين، آخر أيام التصويت الثلاث، لجأت أجهزة الأمن، في يأس، إلى حيلتها الأخيرة. فقامت كمائن شرطية بتوقيف المواطنين، في مناطق عديدة، بغية التحقق من تصويتهم. وأُرغِم مَن لم يشاركوا في التصويت على التوجه إلى مراكز الاقتراع، ولم يُطلق سراحهم إلا بعد إدلائهم بأصواتهم. ويأتي التصويت قسراً، واحتجاز المواطنين في سبيل ذلك، ونقلهم على غير إرادتهم إلى أماكن الاقتراع، كتطور غير مسبوق وصادم، ودلالة أخرى على التدهور السريع والمتوالي الذي وصلت إليه آليات النظام المصري في حشد الأصوات له وتدعيم شعبيته.

ويأتي ذلك التدهور كنتيجة متوقعة لسياسات النظام التي سعت إلى قتل فكرة السياسة ومصادرة المجال العام بالكامل، وفي الوقت نفسه يحدو قيادتها هوس بنسب التصويت، بخليط من رغبة في الامتهان العمد لجموع الناخبين والرغبة في التباهي بأعدادهم، الإثنان معاً. وبغض النظر عن نتيجة التصويت، التي ستكون لصالح النظام بالتأكيد، فإن الطريقة التي سار عليها الاستفتاء تؤكد مرة أخرى، وبشكل أوضح، مدى تداعى شعبية النظام، بموازاة تراخي أذرعه السياسية التي اكتفت بوسائل المهانة والإرغام والأكاذيب الإعلامية التي لم يعد يصدقها أحد.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024