أميركا لا تحمي الخليج

حسن فحص

الأحد 2019/07/14

في عام 1988 دخلت الحرب العراقية الايرانية مرحلة متقدمة في المواجهة بينهما، شهدت العودة الى قيام الطرفين بمهاجمة اهداف بحرية، لم تقتصر من قبل ايران على استهداف الناقلات التي تحمل النفط العراقي، بل عمدت الى توسيع دائرة هذه الاهداف لتشمل كل الناقلات التي تحمل النفط الكويتي والسعودي، انطلاقا من اتهام ايران لهذه الدول بتمويل النظام العراقي وتصدير النفط عوضا عنه لسد احتياجاته المالية والعسكرية في الحرب القائمة. 

في تلك المرحلة، لم تتردد الولايات المتحدة الاميركية ان تصدر الاوامر لقوات البحرية المنتشرة في المنطقة خصوصا الاسطول الخامس من التحرك وتأمين الحماية لناقلات النفط ومواكبتها حتى المياه الدولية خارج مضيق هرمز، فطلبت من هذه الدول رفع العلم الاميركي على ناقلاتها كإعلان عن هذه الحماية، واعلمت الجانب الايراني ان اي اعتداء على هذه البواخر سيلقى ردا اميركيا قاسيا ومدمرا، وهو ما حدث بالفعل، فبعد ان قامت الزوارق الايرانية التابعة لحرس الثورة الاسلامية بمهاجمة ناقلة نفط كويتية كانت ترفع العلم الاميركي، اقدمت البحرية الاميركية عام 1987 على الرد بمهاجمة هذه الزوارق وتدميرها وقتل بعض عناصرها واعتقال الاخرين، تم تسليمهم الى ايران لاحقا عبر عملية تبادل، وعندما تعرضت ناقلة اخرى ترفع العلم الاميركي لاعتداء عبر لغم بحري، قامت البحرية الاميركية عام 1988 باستهداف منصات نفطية ايرانية في محيط جزيرة خرج وتدميرها، لتضبط بذلك ايقاع المواجهة وتتولى واشنطن مباشرة توفير امن امدادات الطاقة والنفط من الخليج الى العالم بما فيها الولايات المتحدة. 

مع تفاقم الازمة الى مستويات غير مسبوقة، وهذه المرة بين واشنطن وطهران بشكل مباشر، على خلفية العقوبات والحصار الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على النظام الايراني، لم يتردد مرشد النظام آية الله علي خامنئي في التلميح الى مرحلة السابقة عندما وضع خلفه في احدى المحاضرات التي يلقيها صورة نادر مهدوي المسؤول عن العملية التي حاول حرس الثورة فيها مهاجمة احدى المنصات النفطية السعودية وقطع تابعة للبحرية الاميركية  في مرحلة حرب الناقلات وقتل جراء التدخل الاميركي الذي تصدى لهذه المحاولة، في اشارة الى انه والنظام والحرس على استعداد للذهاب الى النهاية في هذه المواجهة حتى ولو ادت الى تدمير ايران. 

بعد الاعتداء الذي تعرضت له ناقلات النفط مقابل ميناء الفجيرة الاماراتي في 12 مايو الماضي، وبعده الاعتداء على ناقلة النفط اليابانية في 13 يونيو الماضي، وعلى الرغم من التصريحات الاميركية على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الامن القومي جون بولتن عن وجود ادلة على تورط ايران بهذه الاعمال التخريبية، حتى ان الرئيس دونالد ترمب لم يتردد في توجيه التهمة لايران، الا ان الادارة الاميركية لم تبادر الى اتخاذ خطوات عملية ووضع الخطط الاستراتيجية والعسكرية للحد او منع تكرار مثل هذه الحملات والاعتداءات، ما كشف عن تردد اميركي واضح في تجاوز الخطوط التي تم رسمها لحدود  التصعيد الكلامي في التهديد العسكري. وقد شكل اسقاط الطائرة الاميركية العسكرية المسيرة RQ4 مقابل سواحل محافظة هرمزكان الايرانية على الحد الفاصل بين الاجواء الايرانية والاجواء الدولية اختبارا واضحا للارادة الاميركية في الذهاب في المواجهة مع ايران الى نهاياتها العسكرية. 

وعلى الرغم من كل التوقعات بان تقوم واشنطن باعتماد السياسة التي اتبعتها عام 1987 التي تطلب من الدول المصدرة والمستوردة للنفط الخليجي والذي يعبر من مضيق هرمز رفع العلم الاميركي على ناقلاتها لحمايتها من اي اعتداء ايراني متوقع، الا ان هذا الامر لم يحدث، بل ذهبت واشنطن الى سياسة تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة الدولية في المنطقة يتولى مهمة التصدي لاي اعتداء ايراني محتمل في المستقبل. 

وقد كان كلام قائد الاركان الاميركي الجنرال جوزيف دانفورد واضحا حول الجهود التي يبذلها البنتاغون لتشكيل تحالف دولي عسكري للحفاظ على سلامة الملاحة في مضيقي هرمز وباب المندب، وهو مشروع لم يلقَ حتى الان التجاوب الكبير والواضح من الدول المعنية بهذا الامر خصوصا تلك التي تعتمد في مصادر طاقتها على النفط الذي يمر من هذين المضيقين، خصوصا دول الناتو التي لم تتجاوب مع دعوة وكيل وزارة الدفاع مارك إسبر. 

وعلى الرغم من ان الطرح الاميركي للتحالف الجديد يتضمن تقديم واشنطن المساعدة في "السيطرة والقيادة" وان تتولى الدول صاحبة او مالكة الناقلات مواكبة ومرافقة هذه البواخر عسكريا في المضيقين، فانه يحمل الكثير من علامات التساؤل، فهل تريد واشنطن حشد تأييد ودعم دوليين ودفع الدول الاخرى لمساندتها في محاصرة ايران، اي جر المجتمع الدولي خصوصا الاوروبي للمشاركة في الحرب الاقتصادية التي تشنها على ايران، في ظل تردد هذه الدول في اعلان قناعتها بالخطوات الاميركية منذ قرار الانسحاب من الاتفاق النووي عندما اعلنت رفضها لاعلان ترمب ذلك. 

وهل ان الاكتفاء الذي حققته واشنطن في قطاع انتاج النفط ورغبتها في الانتقال الى مرحلة التصدير، اي بعد استغنائها عن مصادر الطاقة من الخارج خصوصا من منطقة الخليج، الذي يؤكده نيكولاس بيرنز وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية بين عامي 2005 و 2008 بقوله "لم تعد الولايات المتحدة تعتمد على تدفق النفط من الخليج كما كانت من قبل،  لكنّ حلفاءنا يعتمدون على ذلك الممر الحيوي في الاقتصاد العالمي"، لذلك لم تعد تبدي الاهتمام الكبير في تولي مسؤولية أمن امدادات الطاقة، وان على الدول التي تعتمد على مصادرها النفطية من هذه المنطقة القيام بذلك، وان هذا الامر هو الذي ساهم في تردد واشنطن الاعلان عن المبادرة لاعتماد هذه الاستراتيجية كخطوة ابتدائية تجبر الاخرين على الالتحاق بها، كما فعلت في ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت تستورد جزءًا من حاجاتها النفطية من الخليج، وبعد ان اثرت حرب الناقلات على امدادات الطاقة وتسببت في تراجعها بنسبة 25 في المئة في الاسواق العالمية؟ 

وهل التردد الذي تبديه دول الناتو في الاستجابة الى الرغبة الاميركية، يعود الى تلقيها وعودا من ايران بعدم الذهاب نحو مزيد من التصعيد والاستفزاز، مدفوعة بمخاوفها من خسارة اوراقها على الساحة الدولية وقطع الطريق على تحويل الحصار الاميركي ضدها الى حصار دولي قد يساهم في عزلتها وتحويلها الى تهديد مباشر للامن والاستقرار الدوليين؟ 

تعتقد طهران ان واشنطن قد تنجح في تشكيل هذا التحالف، الا انه لن يستمر طويلا نظرا للاكلاف المالية التي ستترتب على هذه الدول، خصوصا وان هذه الدول لا تقبل الخضوع للابتزاز المالي الاميركي، فالصين التي طالبها بومبيو بالمشاركة في التحالف لاعتمادها على نفط المنطقة لن تكون على استعداد لهذا الابتزاز بعد ان رفضت الالتزام بقرار وقف شراء النفط الايراني. اضافة الى ان طهران تحركت باتجاه نزع فتيل الجهود الاميركية هذه من خلال وقف التصعيد والتهديد وفتح قناة تفاهم مع الحكومة البريطانية حول ازمة احتجاز ناقلة النفط غريس1 في جبل طارق وما صدر من معلومات عن محاولة ايرانية لتوقيف ناقلة بریتیش هریتیج البريطانية في مضيق هرمز وفشلها بعد تدخل قطع البحرية الملكية. 

يبقى السؤال الرئيس، هل ستكون واشنطن على استعداد للقيام بهذا الامر منفردة، وهل سيكون ترمب قادرا على تحمل مخاطر هذا القرار على غرار ما فعل رونالد ريغن، في حال حصل اي اعتداء ايراني جديد على احدى الناقلات، وان يكون على استعداد للرد المباشر على الجانب الايراني في استعادة لتجربة اسقاط طائرة الايرباص الايرانية ومقتل 290 راكباً كانوا على متنها.

تجربة اسقاط الطائرة الاستراتيجية المسيرة قد تشكل مؤشرا على تردد الادارة الاميركية والرئيس ترمب في اعتماد الخيار العسكري والدخول في مواجهة مباشرة مع ايران التي تؤكد انها لن تتردد في الرد على كل المصالح الاميركية في المنطقة وما اكده امين عام حزب الله في لبنان حسن نصرالله بان اي حرب على ايران سيكون الرد عليها حرب تشعل المنطقة بكاملها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024