روسيا ايران:تحالف يتصدع

بسام مقداد

الأربعاء 2019/01/30
تأتي زيارة ممثل الرئيس الروسي في سوريا ألكسندر لافرنتيف ونائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فارشينين إلى إسرائيل، على خلفية تزايد الحديث عن تنسيق روسي إسرائيلي غير معلن ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا. وقالت نوفوستي، أن المسؤولين الروسيين أجريا الإثنين المنصرم محادثات مع المدير العام لوزارة الخارجية تناولت قضايا إقليمية مختلفة، وكانت محادثات "مهمة ومجدية". وإذ أشارت الوكالة إلى لقاء هذين المسؤولين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الثلاثاء في 29 الجاري، قالت بأن الإسرائيليين يخوضون صراعاً مع وجود إيران العسكري في سوريا، ويأملون باستمرار التنسيق مع العسكريين الروس في سوريا.


وكان قد سبق هذه الزيارة كلام لنائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف في مقابلة مع CNN في 26 من الجاري تناول فيها العلاقات مع إيران والموقف من قصة الأمن الإسرائيلي. وأشار ريابكوف في هذه المقابلة، كما نقل عنه موقع "vesty" الإسرائيلي الناطق بالروسية، إلى رفضه التأكيد بأن روسيا حليفة لإيران في سوريا، وقال " لم أكن لأسمي هذا بأنه علاقات تحالف، بل نحن نتعاون فقط (مع إيران) في سوريا". وجاء كلام ريابكوف هذا في سياق الرد على تصريح رئيس اللجنة البرلمانية الإيرانية للعلاقات الخارجية والدفاع، بأن روسيا لم تشغّل صواريخها S-300 أثناء الغارة لإسرائيلية الأخيرة على أهداف في سوريا، حسب الموقع.

تزامنت زيارة المسؤولين الروس لإسرائيل وكلام سيرغي ريابكوف مع تزايد عدد المواقع الإخبارية، التي تتحدث عن الإشتباكات بين المجموعات الموالية لكل من روسيا وإيران في سوريا، وكان آخرها موقع "Lenta.ru" الروسي في 28 من الجاري. وقال الموقع، نقلاً عن وكالة الأناضول التركية، بأن حلفاء الأسد من الموالين للروس والإيرانيين قد دب الخلاف بينهم، واندلع بين "قوات النمر" النخبوية المؤيدة لروسيا والفرقة الرابعة الموالية لإيران بقيادة ماهر الأسد، وأن المعارك تتواصل بينهم في شمال غرب محافظة حماه. ويقول الموقع، أن الطرفين استخدما خلال المعارك الأسلحة الثقيلة، بما فيها الدبابات، وتكبد الطرفان خسائر في الأرواح، لم يعلن عن حجمها، وإن كان موقع " Spiegel Online" قد تحدث عن عشرات، بل عن 200 بين قتيل وجريح.

وفي تعليق لها على أنباء الإشتباكات هذه، تقول صحيفة الكرملين "vz" أن الطرفين يحشدان تعزيزات لمواقعهما، وتنقل عن مصادر سورية قولها، أن الصدامات هي بمثابة تنفيذ لجزء من "خطة تخفيض نفوذ إيران في المنطقة". وتقول بأن التناقضات بين روسيا والوحدات الإيرانية في سوريا قد سبق أن ظهرت أنباء عنها في تموز/يوليو العام 2018، وأخذت هذه التناقضات تتعمم على الجيش السوري.

وإذا كانت المواقع الأخرى، بما فيها صحيفة الكرملين، التي تحدثت عن الإشتباكات الروسية الإيرانية في سوريا، قد نقلت عن مصادر تركية، تفرد موقع القوميين الروس "sp" بالنقل عن جريدة "المدن" في تعليقه على الإشتباكات المذكورة. وتحت عنوان "موسكو وطهران تحولتا في سوريا إلى حليفين لدودين"، كتب هذا الموقع مقالة وضع لها عنواناً إضافياً يتهم الروس "بقتال الفرس حتى الموت" قرب هضبة الجولان من أجل أمن إسرائيل. وينقل الموقع عن مصادر إعلامية عربية، لم يذكرها، أن صدامات مسلحة اندلعت قرب هضبة الجولان بين مقاتلي شركة عسكرية روسية خاصة ومتطوعين إيرانيين، يعود سببها المباشر إلى الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مطار دمشق.

وبعد أن يذكّر الموقع بالتأكيدات الروسية متعددة المستويات لإسرائيل بانسحاب الإيرانيين مسافة 100 كلم عن الحدود الفاصلة بين إسرائيل وسوريا، وإعلانهم عن تثبيت أربعة مواقع مراقبة للشرطة العسكرية الروسية في هذه المنطقة، يستغرب الموقع كيف تمكن الإيرانيون من نصب صاروخ أرض ـــــ أرض كبير الحجم في هذه المنطقة، وإطلاقه على إسرائيل، دون أن يلاحظ الروس ذلك. وإذا ما أخذنا كل ذلك بالإعتبار، وما حصل لاحقاً في سهل الغاب، يمكن الإفتراض، حسب الموقع، بإن الإيرانيين نقلوا الصاروخ إلى المنطقة الآمنة تلك بمرافقة حامية عسكرية كبيرة، لم تكن الشرطة العسكرية الروسية مهيأة للإشتباك معها.

وينقل الموقع عن "المدن" قولها، بأن الإشتباكات في سهل الغاب اندلعت صبيحة يوم 22 كانون الثاني/يناير الجاري، اي بعد يوم واحد من الإتهام، الذي وجهه العسكريون الإسرائيليون إلى موسكو بعجزها عن احترام الإتفاق وإبقاء إيران خارج حدود منطقة المئة كيلومتر. وبعد أن يدخل الموقع في التفاصيل، التي نقلتها "المدن" عن معارك سهل الغاب، يقول بأن طهران لا تخفي سعيها لأن تجعل الضربات الصاروخية للدولة اليهودية، ضربات منتظمة وساحقة، وصولاً إلى "تدمير هذه الدولة"، وليس صاروخ 20 كانون الثاني/يناير سوى "صاروخ اختبار" لا أكثر. ولذلك ليس من الصدفة، حسب الموقع، أن يستنتج رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين منذ ايام، أن شمال إسرائيل يتحول إلى جيهة " يصعب التمييز فيها بين سوريا وإيران وحزب الله"، مما قد يؤدي إلى حرب لا أحد معنياً بها سوى إيران.

إضافة إلى ذلك، يقول الموقع بأن طهران تتوقف عند إعلان إسرائيل، بأنها تقوم بإطلاع موسكو مسبقاً على كل ضربة جديدة توجهها إلى سوريا، لكن هذه، وفي إساءة لعلاقات التحالف، لا تطلع التشكيلات الإيرانية الموجودة إلى جانبها على هذه المعلومات العملانية. ويبدو، حسب الموقع، أن قصة محاولة القصف الصاروخي لإسرائيل من المنطقة الأمنية قرب الجولان، قد وترت إلى الحد الأقصى العلاقات بين الوحدات المسلحة للبلدين.

ويرى الموقع أن المواجهة بين الحليفين في سوريا، وإن كانا حليفين ظرفيين، لا يمكن أن تؤدي سوى إلى زيادة الصعوبات في تموين الوحدة الروسية في سوريا. فمن المعروف أن مسار طائرات النقل العسكرية الروسية إلى قاعدة حميميم يمر عبر الأجواء الإيرانية والعراقية، وإذا ما عمدت طهران إلى إقفال أجوائها بوجه هذه الطائرات، ورفضت السماح لها بالهبوط في قاعدة همدان، لا يبقى أمامها سوى الطريق البحرية، التي تعني كلفة أكبر على جميع المستويات.

وفي محاولة لتقديم صورة أكثر تعبيراً عن نظرة القوميين الروس الراديكالية للغارات الجوية الإسرائيلية، ليس على سوريا فحسب، بل وعلى غزة أيضاً، يوجه الموقع في مقالة لاحقة إتهاماً مباشراً للكرملين بموافقته على هذه الغارات، ويتساءل عما يمكن أن يبرر للكرملين غياب موقف مبدئي له حيال "جرائم تل أبيب" هذه. ويستغرب القوميون الروس، عبر موقعهم هذا، كيف يسمح العسكريون الإسرائيليون لأنفسهم بتهديد جيرانهم (لبنان وغزة) بردهم إلى العصر الحجري، وبأي حق يوجهون مثل هذا التهديد، ويستنكرون تغاضي الكرملين عن هذه التهديدات، بل وقبوله بها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024