دروس روسية للأميركيين

بسام مقداد

الثلاثاء 2021/01/12
في زمن دراستنا في موسكو ، كانت تكثر النكات ، التي كان يتداولها الروس عن المقارنة بين الحياة في كل من الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة . واحدة من هذه النكات كانت تقول ، بأن أميركياً كان يتباهي أمام روسي بالديموقراطية الأميركية ، قائلاً : عندنا ديموقراطية في أميركا تسمح لك ، بأن تقف أمام البيت الأبيض وتشتم نيكسون ما وسعك ، من دون أن يتعرض لك أحد . فرد عليه الروسي بقوله : وعندنا في روسيا أيضاً ديموقراطية تسمح لك ، بأن تقف في الساحة الحمراء وتشتم نيكسون ما وسعك ، من دون أن يتعرض لك أحد.

ما يدور في روسيا الآن بشأن الحدث الأميركي ، يشبه إلى حد بعيد هذه النكتة ، حيث يقارن الروس بين ديموقراطيتهم والديموقراطية الأميركية ، وبين نظامهم الإنتخابي والنظام الأميركي ، ليستنتجوا أفضلية ديموقراطيتهم ونظامهم الإنتخابي ، مستشهدين بالحدث الأميركي الراهن . وزير الخارجية سيرغي لافروف ، وفي سياق تذكره لحديث قديم مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس ، وصف نظام الإنتخابات الأميركي بأنه "مغرق في القدم" ، فردت عليه رايس ، بأنهم عل اطلاع على عيوب النظام ، لكنها طلبت منه عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، إلا أنها عادت وسألته عن نظام الإنتخابات الروسي ، حسب موقع "موسكوـــــ باكو" الأذري ، من دون أن يذكر الموقع ما الذي كان يعني رايس في نظام الإنتخابات الروسي.

رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الإتحاد كونستانتين كوساتشيف قال ، بأن الديموقراطية الأميركة أخذت تعرج على الساقين ، وأن أحداث واشنطن الأخيرة أثبتت ، أن الولايات المتحدة فقدت الحق بفرض النهج السياسي على البلدان الأخرى ، حسب موقع قناة التلفزة "ren.tv" . كما نقل الموقع عن الناطقة الرسمية بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها ، بأن الإضطرابات في الولايات المتحدة إندلعت بسبب عيوب تظام الإنتخابات ، الذي لا يفي بالمعايير الحديثة ، ويتضمن إمكانية إنتهاكه.

كما ينقل الموقع عن بوليتولوغ روسي تأكيده مع ترامب ، بأن الإنتخابات الرئاسية الأميركية لم تكن شفافة ، ولهذا بالذات ، برأيه ، نظم أنصار الرئيس ترامب الشغب في الكابيتول . ويرى بأن شغب "الترامبيين" كان ردة فعل على عدم الإحترام من قبل النخب الأميركية ، التي "حطمت الديموقراطية منذ زمن بعيد".

توقف السياسيون الروس والمواقع الإعلامية الروسية بصورة خاصة عند وقف حسابات دونالد ترامب على الفيسبوك وتويتر ، ونبهوا الأميركيين إلى عيوب ديموقراطيتهم ونظامهم الإنتخابي .  فقد اعتبر الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف ، أنه أصبح مع ترامب متشابهين في حظرهما على شبكات التواصل الإجتماعي ، وقرر إملاء درس عليه في ...الديموقراطية وحقوق الإنسان . فقال بأن ترامب سيق وأن فرض عليه الحظر في شبكات التواصل الإجتماعي ، لكن "العلي القدير استرجع العدالة" ، وتم حظر حسابات "ترامب المتمرد" في هذه الشبكات . فلو كان قد احترم الديموقراطية وحقوق الإنسان ، لكان من المحتمل ألا يحصل شيئ من هذا ، كما جاء على الموقع الأذري المذكور.

فلاديمير سالافيوف ، مقدم البرنامج السياسي الأشهر على قناة التلفزة الرسمية الروسية "المساء مع فلاديمير سالافيوف" المعروف بفظاظته مع أصحاب الرأي المختلف عن رأي الكرملين ، يملي بدوره على الأميركيين درساً آخر في إحترام دستورهم بشأن حقوق الإنسان.  فقد نقلت عنه نوفوستي تذكّره كيف لم يسمحوا لترامب حظر تغريداته على تويتر عن بعض المستخدمين ، لأن مثل هذا الحظر ينتهك الحق في حرية الكلمة. لكن اليوم تجري عملية عكسية ، برأيه، إذ يفرضون حظراً دائماً على حسابات ترامب من دون إذنٍ من المحكمة ، مستندين فقط إلى قواعد الشركة الداخلية . ويتساءل سالافيوف ، ما إن كان هذا يشير إلى أنهم يسمحون للشركات الخاصة بإقامة مناطق غير خاضعة لأحكام الدستور الأميركي ، وما إذا كان هذا كله لا يمس بكل فردٍ أميركي، لأنه يُظهر بوضوح إنتهاك حقوق المواطنين الأميركيين.

كما تنقل نوفوستي أيضاً عن رئيس لجنة العلاقات مع أجهزة الإعلام في مجلس الإتحاد الروسي ألكسي بوشكوف ، إملاءه درساً إضافياً على الأميركيين في تحذيرهم من دور شبكات التواصل الإجتماعي الأميركية . يقول بوشكوف في تعليق له على حظر حسابات ترامب في تويتر وفيسبوك ، بأن ما قامت به هاتان الشركتان حيال ترامب هو "رمز آخر من رموز عالم أورويل( عالم جورج أورويل المتخيل) ، وإشارة إلى كل من بقيت لديه أوهام بهذا الشأن" . ويقول بأن شركات التواصل الإجتماعي الأميركية هذه أصبحت تقوم بدور الوصي على النظام الليبرالي وبأن غوغل ليس منصة معلوماتية ، بل منصة سياسية ، وبأنه جعل الرقابة جزءاً لا يتجزأ من عمله.

صحيفة الإزفستيا نقلت عن رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي قولها ، بأن إقتحام الكابيتول كان بمثابة الهدية ل بوتين. ورأت أن ترامب هو "أداة" روسيا من أجل تخفيض دور الديموقراطية في العالم ، وقالت ، أنه بين هدايا ترامب الكثيرة لبوتين ، قدم له بالأمس الهدية الأكبر . وذكّرت الصحيفة بدعوة بيلوسي إلى إزاحة ترامب الفورية عن السلطة ، بموجب التعديل 25 على الدستور الأميركي.

ونقلت الصحيفة عن رسلان حزباللاتوف ، الرئيس الأخير لمجلس السوفيات الأعلى في روسيا السوفياتية ، إعتقاده بأنه ، على الرغم من الإضطرابات في واشنطن ، إلا أن الأمر لن يبلغ حد عزل ترامب عن منصبه ، وذلك ، لأنه لم يتبق سوى أيام معدودة على تسلم جو بايدن السلطة.

كما تنقل الصحيفة ، مع غيرها من المواقع الروسية ، عن بوليتولوغ ، لم تحدد ازفستيا هويته ، أو أي من المواقع الأخرى ، والذي نبه بدوره الأميركيين والعالم ككل ، إلى أنه لم يكن من ديموقراطية في الولايات المتحدة  في يوم من الأيام ، وأن إنتخابات 2020 الأميركية زادت الوضع تعقيداً.

صحيفة الكرملين "vz" كان لها التنبيه الأشد للأميركيين ، إذ عنونت نصها بشأن الحدث بالقول "طرد ترامب من شبكات التواصل الإجتماعي ، ستكون له عواقب كثيرة على الولايات المتحدة". وقالت ، بأنه يخطئ من يظن ، أن النخب الأميركية ردت على إقتحام الكابيتول بالحوار مع أنصار ترامب ، بل هي ردت بالقمع ، وليس في العالم الحقيقي فقط (التسريح من العمل للمشاركين في الإقتحام ، والتهديد بعزل ترامب) ، بل وفي العالم الرقمي أيضاً . فحظر ترامب وكبار أنصاره من شبكات التواصل الإجتماعي ، يعني عملياً حرمانهم من الوسيلة الأهم  والوحيدة للتواصل مع العالم ، إذ أن وسائل الإعلام الأميركية التقليدية ، هي بيد الليبراليين ، او مسؤولي النظام.

تبشر الصحيفة شركات شبكات التواصل الإجتماعي الأميركية ، بأنه حتماً سوف يظهر بديل للفيسبوك وتويتر وأمثالهما لكي يتمكن المعترضون من إسماع صوتهم ، ولا بد ، برأيها، أن تظهر "روسيا اليوم" ، لكن على شكل شبكة تواصل إجتماعي . وترى ، أن حظر اليمينيين الأميركيين من قبل الليبراليين ، ينقذ اليمينيين ، لأنه بعد وصول بايدن ، وخسارة مجلس الشيوخ ، وخيانة النخب اليمينية ، وإقتحام الكابيتول ، تبدو الحركة اليمينية مشوشة وغير منظمة . والإضطهاد يمنحهم إمكانية رص صفوفهم ، والبرهان على أنهم ليسوا طائفة رئيس محدد ، بل هم تلك القوة ، التي تستطيع من جديد "أن تجعل أميركا أميركا".

ذلك هو الدرس الأخير ، الذي تمليه على الأميركيين صحيفة الكرملين ، وتريدهم أن يحبوا أميركا ويعيدوا لها مجدها ، الذي اضاعه الليبراليون برأيها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024