إيران ولعبة شد الحبال

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/09/09
ما زالت طهران تبحث عن مخارج من مأزق العقوبات الأميركية، وتلجأ إلى شتى الوسائل، من التصعيد الأمني والعسكري مباشرة وبالوكالة، إلى الانسحاب تدريجياً من الاتفاق النووي للضغط على الفرنسيين والألمان لتوفير حلول. إلا أن المسار الحالي للأزمة الايرانية يُشير إلى تصعيد وشيك أكثر. نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت إيران الخطوة الثالثة من خفض التزاماتها ببنود الاتفاق النووي، من خلال تشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة وسريعة لتخصيب اليورانيوم. 

الخطوة الأولى سبقتها بشهرين، عندما تخطت طهران المستوى المسموح به لمخزون اليورانيوم، وفقاً للاتفاقية، وهو 300 كيلوغرام. أما الخطوة الثانية فتمثلت بتجاوز نسبة التخصيب المنصوص عليها، أي 3.76 %. 

لكن إيران هنا، مدفوعة بسباق مع الإفلاس المالي، تستنفد خياراتها في الضغط على الجانب الأوروبي، لإنقاذ الاتفاق النووي. ذلك أن الخطوة الأخيرة المتبقية هي تفعيل معمل أراك للماء الثقيل بقوته الكاملة وإعادة التخصيب عالي النسبة الى منشأة فوردو. والمنشأة الأخيرة بُنيت 80 متراً تحت الأرض وكانت تخضع لحماية "الحرس الثوري" الإيراني. وهي تحظى باهتمام عسكري أميركي خاص، إذ كشف تقرير لصحيفة "ذي نيويورك تايمز" أن سلاح الجو الأميركي تدرب على تدمير منشأة فوردو الايرانية في أيار (مايو) الماضي، باستخدام "أم القنابل" الأميركية (التي سبق أن أمر الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب بإلقائها فوق أهداف في أفغانستان). الجيش الأميركي بنى هذه المُنشأة التي تُحاكي مواصفات فوردو قبل عشر سنوات، أي أن توقيت التجربة الأميركية والكشف عنها، ليس اعتباطياً، بل يأتي في سياق التوترات الحالية.

والواقع أن "أراك" و"فوردو" هما في صلب المخاوف الغربية من لجوء إيران إلى إنتاج قنبلة نووية من وراء ستار برنامجها النووي. في حال تفعيله بالخطوة النهائية، سيُوفر استخدام المياه الثقيل في آراك، لإيران مادة كافية لانتاج سلاح نووي لو قررت المضي بذلك. وتُعتبر هذه القدرة خطاً أحمر لدى الولايات المتحدة واسرائيل، وبالإمكان توقع ضربة لو اقتربت ايران من هذا الهدف. لهذا السبب أيضاً، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، البرنامج النووي الإيراني على رأس قائمة التهديد لبلاده.

والحقيقة أن إيران في لُعبة شد الحبال، لا ترغب في قطع جسر العودة، إذ أنها أشارت مرات الى قدرتها على العودة للاتفاق في حال نجاح الجانب الأوروبي بحمايتها من العقوبات الأميركية القاسية والمتراكمة.

لكن اللافت أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وفي سياق أسفه عن خفض الالتزام الإيراني بالاتفاق، فاجأنا بمُهلة "شهور" وضعها لوصول إيران إلى القنبلة النووية. والحقيقة أن هذه المهلة تتطابق مع نافذة الضربة الإسرائيلية لجهة وقوعها بين الانتخابات الاسرائيلية وتشكيل الحكومة الجديدة خلال الأسابيع المقبلة من جهة، وقبل مطلع صيف العام المقبل عندما يتفرغ الرئيس الأميركي تماماً للانتخابات المقرر إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام المقبل، من جهة ثانية.

من الصعب الجزم بأن الضربات الجوية ستقع، رغم أنها لاحقت الإيرانيين وحلفائهم من سوريا إلى العراق ثم لبنان. لكن ساعة الخطر والمُهل والتهديدات عادت لما كانت عليه قبل عام 2015. ولهذا السبب، أمام المنطقة شهور عصيبة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024