تركيا بين فكّين

عائشة كربات

الأربعاء 2019/08/21
سأحاول أن أصيغ الأمر باختصار: أنقرة تتعرض للضغط مرة أخرى بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا وكيفية إيجاد طريقة للتغلب على هذا الضغط غير واضحة على الإطلاق.
الأسوأ من ذلك أن هذه المرة هي واحدة من أخطر المواقف لأن الاشتباكات المباشرة بين تركيا والنظام السوري تشكل احتمالاً خطيراً إذا لم يتدخل الروس. سبب هذا التصعيد هو هجوم طائرات النظام على قافلة عسكرية تركية الاثنين بالقرب من خان شيخون. كانت القافلة متجهة إلى نقاط المراقبة في المورك والزاوية.
ومع ذلك، يبدو أن الروس سوف يديرون الأذن الصماء بسبب ما يسمى بالتفاهم المتبادل بين تركيا والولايات المتحدة حول إنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا.
تركيا تدعم على الضفة الغربية لنهر الفرات، جماعات المعارضة بينما تحاول في الوقت نفسه التعاون مع روسيا المدافعة عن النظام. في الضفة الشرقية لنهر الفرات، تبذل قصارى جهدها لتدمير وحدات حماية الشعب الكردية ولكن في الوقت نفسه تحاول التعاون مع أكبر مؤيدي الوحدات، أي الولايات المتحدة.
قد يدعي بعض المحللين المؤيدين للحكومة في تركيا أن مثل هذا الموقف ناتج عن كونها لاعبة شطرنج رائعة، لكن المشهد يبدو أقرب إلى لعبة طاولة الزهر وعلى تركيا الحصول على 6 مزدوجة من ضربة نرد واحدة.
مؤخراً، أعلنت أنقرة وواشنطن اتفاقاً لإنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا. كما قررتا إنشاء قيادة عسكرية مشتركة لإدارة العملية هناك. لكن من الواضح أنه بصرف النظر عن هذين الأمرين الأساسيين، لم يتفقا على العديد من التفاصيل المهمة، حتى الآن.
كان الروس يتمنون حظاً سيئاً للمفاوضات بين الولايات المتحدة وتركيا لأنهم أدركوا أن أنقرة لم تخادع هذه المرة، عندما كانت تقول أنه إذا لم يكن هناك تفاهم مشترك لإنشاء منطقة آمنة، فإن تركيا ستتدخل من جانب واحد وستكون جاهزة لتحمل خطر الاشتباك مع الجنود الأميركيين. مثل هذا الخيار كانت ترغب فيه روسيا، لأنه يعني بالنسبة لهم الكثير من الفوائد المجانية؛ توسيع الخلاف بين حليفي الناتو؛ تسريع انسحاب الولايات المتحدة من سوريا وإجبار وحدات حماية الشعب على التعاون مع حكومة دمشق وجعل الوحدات تتوسل موسكو للحماية.
لكن مثل هذا السيناريو لم ينجح وتسبب بخيبة أمل كبيرة للروس، وجعلهم ينسون إخبار النظام بالتوقف عن مهاجمة إدلب مما قد يجعل تركيا تواجه موجة كبيرة أخرى من اللاجئين بينما كانت أنقرة تحلم باليوم الذي سيتم فيه نقل بعض السوريين إلى المنطقة الآمنة.
لهذا السبب أصدرت وزارة الدفاع التركية بعد الهجوم على قافلتها الاثنين بياناً ألقت فيه باللوم على الروس. وقال البيان: "على الرغم من التحذيرات المتكررة التي وجهت إلى سلطات الاتحاد الروسي، تستمر العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات النظام في منطقة إدلب في انتهاك للمذكرات والاتفاقات القائمة مع الاتحاد الروسي". وأضافت أنه "ينبغي اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث".
ومع ذلك ، لن يكون من المفاجئ إذا استمر الروس في إدعاء الصمم لفترة من الوقت، على الرغم من شراء تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي "إس-400" على حساب تهديدات العقوبات الأميركية.
على أي حال، من قال إنه من الممكن جذب الجميع في المنطقة؟ ومع ذلك، هذا هو ما نحن فيه؛ إذا تصاعد الوضع في مدينة المورك حيث توجد نقطة مراقبة عسكرية تركية وخان شيخون وهو أمر بالغ الأهمية للسيطرة على الطرق M4 وM5 بين دمشق وشمال البلاد، فلأول مرة منذ بداية الحرب السورية ليس الوكلاء بل جيوش تركيا والنظام قد يدخلون في اشتباكات مباشرة.
حسناً، من المستحيل إرضاء الجميع في المنطقة، لكن كان من الممكن أن تمتنع تركيا عن وضع نفسها في مواقف محرجة إذا كانت قادرة على تكييف سياسة مختلفة عندما يتعلق الأمر بالمسألة الكردية. 
ولكن يبدو أنه لا يوجد شيء جديد في هذا الصدد، خاصةً عندما نعتقد أنه في ساعات الهجوم على القافلة التركية في سوريا، تمت داخل تركيا، إزاحة رؤساء البلديات الثلاثة المنتخبين في المدن التي تسكنها أغلبية كردية بسبب مزاعم روابط الإرهاب. هذا يعني أن تركيا ستستمر في إيجاد نفسها في مواقع محصورة بين روسيا والولايات المتحدة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024