أمن روسيا يتمدد إلى السودان

بسام مقداد

السبت 2020/11/21
في العام 2017 ، وأثناء زيارته إلى موسكو، اقترح الرئيس السوداني السابق عمر البشير على الرئيس الروسي بوتين إقامة قاعدة عسكرية روسية في السودان ، لكن الطرفين لم يتوصلا حينها إلى "إتفاق مكتوب" بشأنها . وبرر البشير إقتراحه حينذاك بالتدخل الأميركي في شؤون السودان الداخلية ، ووقوف الولايات المتحدة  وراء إنفصال الجنوب ، "ولذلك نحن بحاجة إلى حماية من الأعمال العدوانية الأميركية" ، كما نقلت مواقع روسية . وقال حينها موقع "Gazeta.ru" الموالي للسلطة ، بأن الكرملين لا يطرح ، حتى الآن ، مسالة إقامة قاعدة عسكرية في السودان . ونقل الموقع عن خبير عسكري روسي قوله ، بأن السودان بعيد عن شمال خليج عدن ، الذي يؤمن العبور إلى المحيط الهندي ، وحيث كانت توجد سابقاً القاعدة العسكرية السوفياتية . وفضل هذا الخبير العودة إلى تلك القاعدة وترميمها "إذا استتب الأمن في اليمن" ، وإذا ما احتاجت روسيا إلى مثل هذه القاعدة بعد 10 – 15 سنة . وافترض بأنه ، حتى لو وافقت روسيا على إقامة هذه القاعدة ، فإن ذلك سيلزمها بدعم القوات المسلحة السودانية ، التي "ليست في أفضل حال" ، والدخول في صراع السودان مع الجنوب ، "لذلك ليس الأمر "مربحاً لنا ، لا إقتصادياً ولا عسكرياً". واستبعد حينها موافقة روسيا في المستقبل القريب على إقامة مثل هذه القاعدة  في السودان ، لأنها تكلف "نفقات خيالية" لا قدرة لروسيا على تحملها ، حتى لو كانت بحاجة إليها. 

ما الذي استجد بعد مرور ثلاث سنوات على هذا الكلام ، حتى يوافق الكرملين على إقامة قاعدة للأسطول الروسي في بورسودان(موقع لوجستي لخدمات الأسطول الحربي، كما يسميها مشروع الإتفاقية) ، تستقبل سفناً حربية تحمل معدات نووية ، ويرابط فيها أكثر من 300 عسكري (العدد قابل للزيادة) ، كما بوسع المطار القريب من الموقع أن يستقبل حتى الطيران الحربي الإستراتيجي ، الذي يحمل سلاحاً نووياً ؟ وهل أصبح الكرملين قادراً على تحمل "التفقات الخيالية" لإقامة مثل هذه القاعدة ، وهو الذي تخلى عن محطة الرادار في أذربيجان العام 2012 لعجزه عن دفع 300 مليون دولار مقابل بدل إيجارها ، حسب صحيفة "sp" الروسية ،  ويتعرض هذه الأيام  للإنتقاد اللاذع بسبب تخصيصه مليار دولار ل"لمساعدات الإنسانية" لسوريا ، ومليار ونصف المليار لدعم الديكتاتور البيلاروسي لوكاشنكو ، ويتهم بأن الأسد ولوكاشنكو أقرب إليه من مواطني روسيا ، حسب موقع "Rosbalt"؟ 

تحمل الإتفاقية بشأن القاعدة في السودان الكثير من الأجوبة على هذه الأسئلة  ، وتشير إلى أولويات الكرملين في المرحلة الراهنة ، وتقديمه الإنفاق على التوسع في الشرق الأوسط وإفريقيا ، على الإنفاق على التعليم والطبابة والشؤون المعيشية للروس. 

تفاصيل الإتفاقية تحدثت عنها جميع المواقع الإعلامية الناطقة بالروسية. فقد كتب موقع "Meduz" ، أن الإتفاقية تنص على أن يقدم السودان مجاناً الأرض الضرورية لإقامة القاعدة ، لمدة 25 عاماً قابلة للتجديد 10 سنوات إضافية  ، ولا يحق للأسطول الروسي أن ترسو أكثر من أربعٍ من سفنه في القاعدة ، بما فيها تلك ، التي تحمل محطات الطاقة النووية  ، على ألا يزيد عدد عسكريي القاعدة عن 300 شخص  . كما تنص الإتفاقية على أنه يحق لروسيا أن تُدخل وتُخرج عبر موانئ السودان ومطاراته "أي سلاح وذخيرة ومعدات" ضرورية لعمل القاعدة ، و"لتنفيذ السفن الحربية مهماتها" ، على أن يُعفى كل ذلك من أية رسوم . السفن الحربية الروسية في القاعدة بالسودان لا تمس حرمتها ، وتتمتع بالحصانة ضد التفتيش والتوقيف. 

وفي ما يخص السودان ، تُلزم الإتفاقية روسيا ، في حال طلب منها السودان ، أن تقدم ، دون مقابل، المساعدة في عمليات البحث والإنقاذ ومكافحة أعمال التخريب. 

وينقل الموقع عن الهولدنغ الإعلامي الروسي الكبير "RBK" ،  أن إتفاقية للتعاون العسكري الروسي السوداني يجري تنفيذها منذ العام 2019 ، مدتها سبع سنوات ، وتنص على التعاون في أعمال البحث والإنقاذ البحرية ، وتطوير العلاقات في حقل الإعداد العسكري المشترك. 

وفي نص بعنوان "في الغرب يناقشون عزم روسيا إقامة قاعدة بحرية عسكرية في السودان" ، ينقل موقع "Eadaily" الروسي عن صحيفة نمساوية قولها ، بأنه إذا نظرنا إلى هذا الحدث من وجهة نظر بحت عملية وجيوسياسية ، نجد بأن روسيا سوف تتمكن من تعزيز نفوذها في "أرجاء إفريقيا الشاسعة ، وفي المنطقة العربية ، وبشكل غير مباشر ، في المحيط الهندي" ، وكذلك في البحر الأحمر ، كشريان نقل بحري مهم ، مرتبط بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. 

من جهته موقع البحث  "Life" الروسي ، وفي نص بعنوان "المحطة الإقريقية.. ما حاجة روسيا لقاعة عسكرية في السودان ؟" ، ينقل عن خبراء روس تعليقاتهم المُبرِرة لإقامة القاعدة في السودان . يقول خبير نادي "فالداي" الدولي التابع للكرملين فرحات إبراهيموف ، بأن القاعدة العسكرية في السودان ، ومن وجهة نظر التخطيط الإستراتيجي ، تتمتع بأهمية كبيرة "للأمن الدولي" . وتؤكد القاعدة على خطط روسيا بعيدة المدى لتطوير مصالحها في القارة الإفريقية . أما خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية فاديم كازيولين ، فيقول ، بأن القاعدة الجديدة تتيح للأسطول الحربي الروسي إمكانية توسيع وجوده في المحيط الهندي، والإمكانيات اللوجستية الجديدة والبنية التحتية للقاعدة ، مهمة بالنسبة للأسطول الحربي الروسي "المسجون" في البلطيق وبحر الشمال. 

وينقل الموقغ عن مصادره في وزارة الدفاع الروسية قولها، بأنه إذا درسنا جيداً مشروع الإتفاقية مع السودان (كلف بوتين وزير الدفاع شويغو توقيعها رسمياً باسم روسيا)، بوسعنا أن نرى ، أن القاعدة في السودان ، ولعمق المياه في المنطقة ، يمكن أن تستقبل طراد الصواريخ النووي "بطرس الأكبر" ، أو حاملة الطائرات الروسية الوحيدة "الأدميرال كوزنتسوف" ، بعد إنجاز ترميمها. 

صحيفة الكرملين "vz" ، وبعنوان "أمن روسيا سوف توفره إفريقيا" ، جهدت من خلاله للإثبات ، بأن خطوة الكرملين لإقامة قاعدة في السودان، تمليها مصلحة أمن روسيا ، وليس طموحاته الإمبراطورية التوسعية باهظة الكلفة . وكان من اللافت ، أن الصحيفة ، وعلى غير عادتها ، لم تستضف في المقالة أي خبير أو متخصص روسي ، يدلي بدلوه المؤيد عادة لما تقوله "صحيفة القصر" . وقال أول تعليقات القراء (93 تعليقاً)، التي استثارتها المقالة ، بأن "كل هذا جيد ، لكن لماذا لا تقولون ما هي كلفته". 

وقالت الصحيفة ، بأن السيطرة على الممرات البحرية ، أو الهيمنة عليها ، تأتي على رأس مهمات القوات العسكرية الحربية لأي دولة ، وروسيا "ليست إستثناءاً" . وكمثال على أهمية هذه الممرات ، تذكر الصحيفة "الإكسبرس السوري" (مجموعة البواخر الروسية ، التي تنقل الأسلحة والذخائر وسواها إلى سوريا" )، الذي لولاه "لما كانت هناك أية سوريا منذ زمن بعيد". وبعد سرد تفاصيل كثيرة لما تعرض له هذا الإكسبرس من محاولات إعتراض طريقه وتفتيش سفنه ، تخلص الصحيفة إلى الإستنتاج ، بأن القاعدة البحرية الروسية في السودان على البحر الأحمر ، وقرب خليج عدن وباب المندب ، سوف تكون على مقربة من الشريان الرئيسي لنقل نفط الخليج إلى أوروبا واليابان والشرق الأقصى ، مما يمنح روسيا القدرة على "خنق أي دولة، حتى لو كانت على المقلب الآخر لكوكب الأرض". 

صحيفة "Novaya" الليبرالية المعارضة ، وفي تعليق على القاعدة الروسية في السودان لمعلقها العسكري ، تقول ، بأن الكرملين يكرر تجربة الإتحاد السوفياتي في دعم الأنظمة الديكتاتورية ، مقابل مجانية التسهيلات لتوسيع وإقامة القواعد العسكرية . لكن حقيقة مئات القتلى من الروس ، الذين سقطوا في سبيل دعم الأسد في سوريا ، تدحض مقولة مجانية التسهيلات هذه لإقامة القواعد العسكرية، ومع سقوط الإتحاد السوفياتي اختفت تلقائياً هذه القواعد ، وتحولت ترسانة أسلحته إلى ركام من الخردة  بقي في قواعده ومواقعه في أرجاء المعمورة. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024