ست سنوات روسية في سوريا

بسام مقداد

السبت 2021/10/02

مع إنتهاء شهر أيلول، تنتهي السنة السادسة على تولي روسيا أمر تثبيت موقع الأسد على رأس السلطة في سوريا، وهو ما أعلنته الهدف الرئيسي لحملتها العسكرية في سوريا. لكن ينبغي التوقف عن تعداد سنين وجود روسيا في سوريا، فهي لن تخرج منها، وعند دخولها لم تضع خططاً للخروج، كما يؤكد الخبراء الروس أنفسهم. ويبدو لذلك لم تتوقف مواقع الإعلام الروسية والناطقة بالروسية عند هذه السنوية كما فعلت في السنوية الخامسة، لكن صحيفة البرلمان الروسي(الدوما)إعتبرتها حدثاً تاريخياً كبيراً، وأدرجتها في مصاف الأحداث التي حدثت في التاريخ في هذا اليوم، مثل دخول الإنترنت إلى روسيا وتوقيع معاهدة ميونيخ قبل الحرب الثانية وأهم المعارك الروسية ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. كل ما في جعبة هذه المواقع عن الحملة وأهدافها وكلفتها وما حققته أو فشلت به، أفرغته في السنوية الخامسة السنة المنصرمة في مطولات توقف فيها بعضها عند أحداث الحملة يوماً بيوم تقريباً.

قسطنطين كوساتشيف نائب رئيس مجلس الإتحاد الروسي الذي منح القوات الروسية حق خوض الحرب خارج روسيا، كتب في السنوية الخامسة على موقع المجلس نصا ًبعنوان "الوجود الروسي في سوريا: من الحرب إلى السلام"، قال فيه بأن 30 أيلول/سبتمبر هو تاريخ مهم في تاريخ روسيا المعاصر وللمجلس علاقة مباشرة به. وقال أنه في اليوم عينه، 30 ايلول/سبتمبر 2015، وبعد إطلاع الدول المعنية، بدأت القوات الجوية الروسية شن الضربات على مواقع التشكيلات المسلحة للدولة الإسلامية وجبهة النصرة في سوريا. وأشار إلى أن القوات الروسية كانت تعمل وسط حملة إعلامية تساق فيها إتهامات "غير مثبتة" بالهجمات المتعمدة على الأهداف المدنية وإستخدام السلاح الكيميائي من قبل القوات السورية بدعم من روسيا. فالغرب قد أثارت إنزعاجه حقيقة أن روسيا ضمنت هزيمة الدولة الإسلامية، لكن من دون أن تسمح بالسيناريو الليبي أو العراقي أن يتحقق في سوريا، وهو ما كان يشكل الهدف الرئيسي لبعض القوى الخارجية.

واشار كوساتشيف إلى أنه، إلى جانب الإنجازات العسكرية، تبدو جلية أيضاً الإنجازات الدبلوماسية. فبفضل الجهود السياسية الروسية الخارجية ولدت منصة "أستانة" التفاوضية التي حركت مفاوضات جنيف من جمودها. وبجهود روسيا وتركيا وإيران عُقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، حيث تم إقرار وثائق تعكس إلتزام الحكومة والمعارضة بإجراء إصلاح دستوري، مما منح عملية بناء الدولة أطرها الشكلية.

وينهي الرجل نصه بالقول، طبعاً ثمة ما يكفي من المشاكل، ولا أحد يقول بأن الحوار أسهل من الحرب، والبناء أسهل من التدمير، لكن الحرب هي طريق مسدود، وهذا ما تدركه جميع القوى المسؤولة في سوريا وخارجها. لكن روسيا، كما يؤكد، سوف تستمر في العمل لاحقاً، فالسلام في سوريا يستحق ذلك.  

موقع  "Life" نشر بمناسبة السنوية الماضية نصاً توقف فيه عند تفاصيل يوميات الطيارين الروس منذ اليوم الأول للعملية في سوريا. ونقل عن طيار عسكري شارك في الهجمات التي بدأت فوراً في 30 أيلول/سبتمبر، واستهلها بقصف مواقع في اللاذقية بينها موقع دعم ومستودعات أسلحة وآليات مدرعة. ويقول هذا الطيار بأنهم كانوا ينفذون الهجمات على مدار الساعة، وكان طاقم الطائرة من ثلاثة طيارين لا يتوقفون إلا حين كان يتم تزويد الطائرة بالوقود والسلاح.  ويضيف بأن الوتيرة "كانت مجنونة"، فحين كان أحدهم يتناول طعامه، كان الثاني ينفذ مهمة والثالث يدرس الخرائط وطبيعة موقع الهدف ويتلقى معلومات عن تحركات العدو. 

الخدمة الروسية في موقع DW الألماني نشرت نصا بعنوان "روسيا لن تخرج من سوريا"، ترك فيه لخبير روسي وآخر ألماني يتناظران عن نتائج خمس سنوات من الحملة الروسية. قدم الموقع للمناظرة بالقول بأن الحملة الروسية أصبحت أطول وأوسع عملية للقوات الروسية في الخارج بعد سقوط الإتحاد السوفياتي. إلى جانب الطيران، شاركت فيها ببدايتها القوات البرية بعدد ضئيل على شكل قوات خاصة والشرطة العسكرية بعدها، وتسربت أنباء عن مشاركة وحدات من الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر". 

نقل الموقع عن الخبير الروسي قوله بأن محاربة الإرهاب هو الهدف الرئيسي للعملية في سوريا، وقد تحقق هذا الهدف بالإنتصار على الدولة الإسلامية. ويقارن الخبير بين المساعدة التي قدمتها روسيا لسوريا، وبين دعم الولايات المتحدة للعراق الذي تم وقفه بعد أن جعل جميع حدود الدول في المنطقة موضع شك. ويقول بانه لولا المساعدة الروسية لسوريا، "لما كانت موجودة هكذا دولة، ولما كان بشار الأسد على رأسها". لكنه يضيف بانه لم يتم التمكن من إنهاء الحرب بسرعة. 

الخبير الألماني يوافق مع الروسي بأن روسيا حققت في سوريا الأهداف التي رسمتها، لكنه يختلف معه بشأن هذه الأهداف، إذ يرى بأن الهدف الأول لروسيا كان العودة إلى الشرق الأوسط بعد أن خرجت منه كقوة مؤثرة بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي. والهدف الثاني الذي تمكنت روسيا من تحقيقه هو التمكن من قمع "الثورة المجاورة غير المشروعة" كما تعتبرها وإفشال محاولة المعارضة المسلحة إسقاط الأسد. والهدف الثالث الذي حققته روسيا هو إثبات قدرتها على القيام بعملية عسكرية على شكل حملة خارج حدودها، أجرت خلالها تجربة العديد من الأنظمة العسكرية الجديدة. 

يتفق الخبير الالماني مع الروسي في أن روسيا نجحت في ترجمة نجاحها العسكري في سوريا إلى نجاحات سياسية في الشرق ككل، حيث التجربة السورية والوجود العسكري هو حجر في أساس كل سياسة روسيا في المنطقة.  ويرى الألماني أن منصة استانة هي "بديل عملي" للجهود المبذولة في إطار الأمم المتحدة، ولديهما أهداف متماثلة.

   الخدمة الروسية في BBC نشرت أيضاً نصاً في السنوية الخامسة، وتركته لثلاثة خبراء روس يعرضون فيه آراءهم. الخبير الأول قال بأن المهمة الأولى للعملية الروسية تلخصت في الحؤول دون سقوط حكومة الأسد. أما المهمة الثانية فقد كانت إستراتيجية مرتبطة بأمن روسيا مباشرة، وتلخصت في القضاء على الخطر الصادر من الأراضي السورية والعراقية، أو تخفيض مستواه جذرياً. والمهمتان تم تحقيقهما، فالأسد باق في السلطة، وليس من بدائل له حتى الآن. ويقترح أن نترك جانباً مسألة شرعيته وصوابية حكمه، فالآخرون في المنطقة "ليسوا أفضل منه ولا أسوأ".

الخبير الثاني قال بأن الهدف السياسي للعملية السورية تلخص في توسيع نفوذ روسيا السياسي والعسكري في الشرق الأوسط ومواجهة السياسة الأميركية. ويرى أن هذا الهدف قد تحقق "إلى حد ما"، مع العلم أن الولايات المتحدة تفقد في الفترة الأخيرة إهتمامها بالشرق الأوسط، وهو ليس واثقاً من أن روسيا كان بوسعها أن تكون صاحبة تأثير كبير في الشرق الأوسط.

الخبير الثالث يقول بأن الذين يتحدثون اليوم عن النصر على الإرهاب يسكتون عن حقيقة أنه، في مرحلة من المراحل، كانت الأجهزة السرية الروسية تسهل إرسال اصحاب النزعة الإسلامية المتطرفة من شمال القفقاز إلى سوريا. ويقول بأن مهمة العملية العسكرية في سوريا كات تتلخص في خروج روسيا من العزلة بعد الأزمة الأوكرانية. في المرحلة الأولى بدا وكأن هذه المهمة قد تحققت، لكن أعمال روسيا اللاحقة قضت بسرعة على هذا النجاح، لأنها استمرت في مراكمة الأعمال التي كانت تدفعها أبعد في عزلتها الدولية.




     

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024