المحور الأميركي والمستقبل التركي

عائشة كربات

الأربعاء 2019/07/17
وأخيراً، حدث ما حدث. الاثنين، هبطت طائرات النقل العسكرية الروسية في قاعدة جوية في أنقرة، تم إنشاؤها خلال الحرب الباردة كقيادة عسكرية للعمليات الأميركية التركية المشتركة. كانت الطائرات الروسية تحمل الأجزاء الأولى من النظام الصاروخي الروسي الصنع "إس-400" والذي اشترته تركيا رغم تهديدات الإدارة الأميركية بفرض عقوبات شديدة. صادف ذلك اليوم الذكرى الثالثة لمحاولة الانقلاب الفاشلة ضد تركيا والمتّهم بتدبيرها زعيم ديني تركي مقيم في الولايات المتحدة ولم يتم تسليمه إلى تركيا، على الرغم من العديد من دعوات أنقرة.
بالنسبة لبعض المحللين، كان يوم الاثنين هذا إحدى نقاط التحول الرئيسية في المحور التركي الذي بدأت مناقشته قبل عشر سنوات، عندما قال رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا في ذلك الوقت، للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي "دقيقة واحدة" ثم ألقى عليه محاضرة حول الوضع في غزة.
منذ ذلك الحين، تدفقت الكثير من المياه تحت الجسر. نعم، لقد غيرت تركيا نظامها الحكومي بسلطات تنفيذية قوية للغاية للرئيس، لا تتناسب مع المبادئ الأساسية للديموقراطية. كما اتبعت أنقرة سياسة خارجية طموحة. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تغير مسارها أيضاً عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية، فالذي غير مساره فعلياً ليس تركيا فقط، بل الولايات المتحدة، خاصة خلال السنوات الأخيرة في عهد الرئيس ترامب.
الولايات المتحدة التي اعتادت أن تقدم نفسها كدولة تتساوى فيها الفرص، تحولت إلى دولة معادية للاجئين. رئيسها لا يخجل من كتابة التغريدات الجنسية والعنصرية. إنه يتبع سياسات متناقضة عندما يتعلق الأمر بالطاقة النووية لكوريا الشمالية وإيران ولا يتردد في الدخول في حروب تجارية مكلفة مع الصين.
ليس فقط النساء والأشخاص غير البيض ولكن أيضاً الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في أوروبا أصبحوا ضحايا تنمر ترامب، والمثال الأخير هو بريطانيا. كما أن ألمانيا وفرنسا غير راضيتين عن ضغوط ترامب لجعلهما تزيدان ميزانياتهما الدفاعية لحلف "الناتو". لا يخفي الاتحاد الأوروبي استياءه من سياسة واشنطن غير المسؤولة تجاه طهران.
عندما يتعلق الأمر بمنطقتنا، سلمت الولايات المتحدة سياستها في الشرق الأوسط إلى إسرائيل والسعودية، وكلاهما معادٍ لتركيا. يمكن أن تكون أسباب موقفهم السلبي - الدعم التركي للربيع العربي من بين أسباب أخرى، قابلة للنقاش، ومع ذلك فمن الغريب حقاً أن يُملي قاتل صحافي على الولايات المتحدة المسماة ب"بطلة حرية التعبير"، طريقة الأداء في الشرق الأوسط.
في شرق البحر الأبيض المتوسط، قررت الولايات المتحدة تغيير التوازن العسكري على حساب تركيا إلى تحالف اليونان وإسرائيل ومصر الذي يعمل على استغلال موارد الغاز الطبيعي هناك لمصلحتهم الخاصة فقط مع إهمال حقوق الآخرين. انضم وزير الخارجية الأميركي في آذار/مارس إلى الاجتماع القبرصي الإسرائيلي اليوناني حول الطاقة والأمن وأعلن دعمه الكامل لهذا التحالف.
مشروع قانون جديد في الكونغرس الأميركي يدعو إلى رفع حظر الأسلحة المفروض على قبرص يخدم الغرض نفسه.
يبدو أن هدف تغيير التوازن العسكري هو أحد الأسباب المهمة جداً للولايات المتحدة لتهديد تركيا بطردها من مشروع طائرة مقاتلة طراز "إف-35" بسبب شراء "إس-400". لأن تركيا التي تمتلك الطائرة الأميركية والمنظومة الروسية سيكون لها بالتأكيد اليد العليا العسكرية في شرق البحر المتوسط.
ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي الذي سئم من نوايا الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، لا يزال يترك تركيا بمفردها عندما يتعلق الأمر بالنزاع في شرق البحر المتوسط ويعاملها فقط باعتبارها سدادة لاجئين، مفضلاً الانضمام إلى تحالف مصر وإسرائيل - اليونان وقبرص، كما ينظر إلى عقوباته على تركيا بسبب أنشطتها في الحفر في البحر المتوسط الذي لا يتم تقاسم مياهه بعد بطريقة منصفة وعادلة وفقاً للقانون الدولي.
على الرغم من كل هذه المواقف السلبية تجاهها والشعور بأنها تترك وحدها، ينبغي للمرء أن يتذكر أن تركيا لم تتخلَ مطلقاً عن فكرة التعامل مع العالم الغربي كمرشد لمستقبلها. لا شك أن تركيا والشعب التركي يرون مستقبلهم في العالم الغربي.
ومع ذلك ، فإن العقوبات الأميركية المحتملة على تركيا رداً على شراء "إس-400" قد تضطر أنقرة إلى اختيار إعادة التنظيم الجيوسياسي المؤدي بعيداً عن الغرب.
إذا كانت تركيا ترغب حقاً في الحفاظ على مركزها، فعليها أن تتخذ على الفور خطوات لإرساء الديموقراطية الحقيقية، وإقامة حكم القانون داخل البلاد واتباع سياسة خارجية تقوم على مبادئ عقلانية متوازنة تهدف إلى زيادة عدد الاصدقاء.
هذه هي الطريقة الوحيدة لتركيا للتقدم في المياه المضطربة في العالم المتغير.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024