روحاني..رئيس الوقت الضائع

حسن فحص

الأحد 2020/01/19
من احكام صلاة الجماعة ومنها صلاة الجمعة، ان لا يتعجل المأموم التشهد والتسليم في صلاته قبل الامام، ومن آداب صلاة الجماعة ومنها صلاة الجمعة ايضا، ان لا يقوم المأموم في نهاية الصلاة للانصراف من صفوف المصلين قبل ان يقوم الامام من مسجده او ان يتلفت يمينا وشمالا مسلما على المأمومين في الصف الاول الذي يليه وان يرد المصلون عليه السلام والدعاء بقبول الطاعات والصلاة.

المشهد الذي رصدته عدسات الكاميرات التابعة لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون الايرانية صلاة الجمعة بإمامة مرشد النظام آية الله علي خامنئي في 17/1/2020 لرئيس الجمهورية حسن روحاني وتسليمه المتعجل في نهاية الصلاة وخروجه من الصف الاول بعد همسات عابرة وسريعة مع رئيس البرلمان علي لاريجاني والاتكاء عليه للنهوض والخروج من الصلاة من دون السلام على المرشد وامام الصلاة، يحمل على الاعتقاد بوجود حالة من التوتر في العلاقة بين الرجلين، وقد يكون وراءها واحد من سببين:

اما ان روحاني يرتبط بموعد عمل فائق الاهمية، قد يكون داخليا او استقبال ضيف خارجي يقوم بزيارة للعاصمة الايرانية بعيدا عن الاعلام، ما اضطره لهذا الخروج والتمرد على احكام وآداب صلاة الجماعة، وهذا امر واحتمال مستبعد، خصوصا وان روحاني يعرف مسبقا انه سيكون مشاركا في هذه الصلاة ويعرف احكامها وآدابها جيدا، وهو الذي اعتاد ان يكون من المشاركين فيها على مدى السنوات الاربعين الماضية، مشاركة ليس بالضرورة اسبوعية، فضلا عن كونه من رجال المؤسسة الدينية ويعرف احكام الصلاة الفقهية والاجتهادات التي درسها على فقهاء في الحوزة الدينية، وحتى ان كانت هذه الاحكام قد تجيز له "التعجل" الا انها لا تسقط آداب تسليم المأموم على إمام الصلاة قبل الخروج. 

واما ان يكون روحاني فضل، وعلى الرغم من معرفته بالاحكام والآداب السابقة، الابتعاد عن صفوف المصلين قبل ان يلتفت امام الصلاة – المرشد بالاتجاه الذي يجلس فيه ويكون مجبرا على تبادل التحية والسلام والدعاء، وبهذا الانسحاب المتعجل يكون قد ترجم روحاني حقيقة الوجوم الذي ظهر على وجهه خلال وقت خطبتي الصلاة وتجنبه عدم الالتفات والنظر باتجاه المنبر الذي يقف عليه المرشد، مكتفيا بالجلوس والنظر الى الامام وكأنه مجبر على الوجود والحضور في مكان لا يرغب فيه او مفروض عليه الوجود على العكس من ارادته او رغبته. 

ولعل السبب الثاني هو الارجح من بين السببين لتفسير تصرفات روحاني في هذه المناسبة، خصوصا وانه كان مجبرا على الاستماع الى "خطاب تقريعي" من المرشد على اداء حكومته وادارته في العديد من الملفات الاساسية التي تواجهها وتعاني منها ايران في هذه المرحلة، وفي ظل الاستهداف الامريكي المباشر للجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في حرس الثورة واحد ابرز قيادات النظام والرأس المدبر لمشروعه الاقليمي والتداعيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية التي نتجت وستنتج عنها في المرحلة المقبلة. 

فالمرشد اعاد التذكير بموقفه الواضح من الترويكا الاوروبية بعد قرار الرئيس الامريكي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، وتأكيده عدم الثقة بالمواقف والوعود التي قدمتها هذه الدول لمساعدة ايران على تجاوز ازمة العقوبات الاقتصادية، وهو بذلك صوب بشكل مباشر على اصرار روحاني وفريقه ورهانهما في الابقاء على قنوات التواصل والحوار مع هذه الترويكا. وبالتالي فان رفع السقف في التصويب على هذه الدول من قبل المرشد بشكل مباشر وتوجيه الاهانات لها واتهامها بالخنوع للادارة الامريكية، يحبط كل الرهانات لدى روحاني في امكانية فتح قنوات حوار غير مباشر مع واشنطن للخروج من المأزق الذي تواجهه ايران انطلاقا من واقعية سياسية ترى في اوروبا الجهة المؤهلة والاقدر على المساعدة، ما يعني ان هجوم المرشد على هذه الدول قد يقفل الباب امام اي امكانية لتخفيف حدة التوتر الذي وصل الى مستويات متقدمة، والتي  اعترف بها خامنئي، ودفعت بالاتفاق النووي وايران للوقوف على اعتاب مجلس الامن الدولي. 

انتقادات المرشد لم تقف عند ازمة التعامل مع الترويكا الاوروبية والاتفاق النووي، بل صوب على الحكومة ورئيسها من بوابة رفضه لمبدأ تشكيل محكمة خاصة للتحقيق في فاجعة اسقاط الطائرة الاوكرانية التي دعا لها روحاني، وذلك من خلال تأكيد خامنئي على محاسبة المسؤولين عن اسقاطها ومنع تكرارها في المستقبل.

واستكمل المرشد في تعميق الجراح في ادارة روحاني عندما غيب اي انجاز لها في مرحلة ما بعد  الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي والتركيز على الدور الفاعل الذي لعبته مؤسسة حرس الثورة وفيلق القدس وقاسم سليماني على المستويين الداخلي والاقليمي، خصوصا ما تعرضت له ايران من اضطرابات داخلية هددت استقرار النظام ونظرية المؤامرة الخارجية فيها، فضلا عن تصديه للهيمنة الامريكية على المنطقة.

وغلب خامنئي البعد الامني والعسكري المتمثل بالمهمات التي تولاها فيلق القدس في منطقة غرب آسيا الانجازات الوطني التي حققها للمصالح القومية بالتركيز دور قاسم سليماني في هذا الاطار، واعتبار المشاركة بالحرب في سوريا والعراق ضد الجماعات الارهابية كانت معارك دفاع عن ايران ومصالحها واستقرارها وصمودها في وجه المؤامرات الامريكية. من دون اي اشارة الى انجازات الحكومة السياسية على الصعيد الدولي. 

كل هذه المؤشرات المتعلقة بالوضعين الاقليمي والدولي وعلاقتها بالعلاقات الخارجية للنظام الايراني، فضلا عما ينتظر التيارين الاصلاحي والمعتدل في الانتخابات البرلمانية المقبلة خلال اسابيع وعملية استبعاد مرشحي هذين التيارين بالاستفادة من مقصلة مجلس صيانة الدستور، يبدو ان قيادة النظام قد وصلت الى قناعة بتنفيذ سياسة افراغ ما تبقى من ولاية روحاني الرئاسية من اي دور لها في رسم سياسات النظام، وبما يعني انتقال التيار المحافظ للتحضير لخلافته بشخصية تنتمي له من دون التباس، بعد ان نجح هذا التيار بمحاصرته، خصوصا ما بعد  التوقيع على الاتفاق النووي في تموز 2015 وقطع الطريق عليه من استثمار او تثمير نتائج هذا الاتفاق اقتصاديا وسياسيا ودوليا واقليميا. بما يحوله الى رئيس مع وقف التنفيذ، وتاليا بحرمانه من برلمان يساند سياساته ولو جزئيا في ما تبقى من ولايته. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024