باسيل:نفوذ بلا مسؤولية

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/06/10
بعد أسابيع قليلة، يحتفل وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بعشر سنوات أمضاها وزيراً في الحكومات المتعاقبة حتى اليوم. من دون شك، راكم باسيل خلال هذه السنوات كماً من النفوذ السياسي كفيل بتسميته أحد أبرز رموز الطبقة الحاكمة، وكذلك الزعيم المسيحي الأقوى اليوم، إلى جانب عمّه الرئيس ميشال عون. لكن أيضاً بإمكان أي كان استطلاع الناس، وسؤالهم تحديداً عن انجازات باسيل خلال هذا "العقد الذهبي" الذي أمضاه في أبرز وزارات البلد. الإجابات ستأتي شحيحة في أحسن الأحوال. قد يتطرق البعض ربما إلى قانون استعادة الجنسية وخطط مشاريع طاقة ومياه لم تُنجز إلى الآن. خلال السنوات الماضية، بات اسم وزير الخارجية ملازماً لخطط استقدام بواخر النفط التركية، ويتعرض لحملة تشويه متواصلة من خصومه، ولاتهامات لم يُثبت أصحابها صحة أي منها إلى الآن.

ومن يسأل الموظفين الكبار غير المحازبين عن باسيل في حقيبتي الخارجية والطاقة، يحصل على إجابات عن نشاطه في العمل، وعن وجود رؤية ما يعمل على تطبيقها. في أغلب الإجابات، ليس باسيل وزيراً سيئاً، ولا أدلة دامغة على ما يتردد عنه، بل تكمن مشكلته الأساسية في اختياره صنفاً خاطئاً من الخطاب السياسي.

ذاك أن الرجل، مثله مثل سياسيين كثر في عالمنا اليوم، قرر انتهاج خط السالب في السياسة، إذ يُقدم نفسه وتياره ضحية حيناً، لجهة وجود من يُعرقل المشاريع والإنجازات، أو يُحرض ضد "الآخر"، أي الغريب الذي يرمي الى سرقة أموال اللبنانيين ووظائفهم، حيناً آخر. قد يكون هذا السالب في السياسة مفيداً على المدى القصير في بعض الحالات، لإخافة الناخبين، إلا أن آثاره الطويلة الأمد مؤذية داخلياً وخارجياً على حد سواء. ألم يعي باسيل حتى الآن بأن خطابه السياسي لم يصل إلى نتيجة؟

نقد الذات ليس من سمات وزير الخارجية، وهذه مشكلة ثانية في شخصية الرجل. يرى باسيل نفسه في صورة وردية وتشي غيفارية تتعفف عن النقد. يسبق الناس في اطلاق أحكام على نفسه، كما حصل في الكُتيب المصور لوزارة الطاقة (2013) عن باسيل، إذ يُخاطب نجله داخل قطار لبناني مُتخيل، قائلاً "إنها النافذة على مشاريعنا المنجزة، الشواطئ أصبحت عمومية والتعديات عليها لم تعد ممكنة، خط الغاز الساحلي يؤشر على تقدم رحلة القطار، سد جنة أصبح مقصداً سياحياً يُغذي اللبنانيين والقبارصة بالمياه … حافظ على المياه كحياتك يا بُني". وهذا ينسحب أيضاً على وزارة الخارجية حيث يحمل كلام باسيل مضامين أكبر من دوره، مثلما حصل في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في أيلول (سبتمبر) الماضي، عندما ألقى كلمة قائد ثوري أثخنته الجراح والتجارب المُرّة: "لست هنا لتلاوة الدروس، فأنا موجوع ومتألم، أرى بلادي العربية ووطني اللبناني يدفعان الثمن من عزتهم وإقتصادهم وإنتمائهم. أنا هنا لنحاول معاً لملمة ما تبقى من قضية شرف شعبٍ أنهكه التآمر عليه، أنا هنا لأنطق بلسان كل مظلومٍ معتقل، وكل مهجر مطرود وكل يائس باكٍ على أرضٍ ووطن".

ومثل هذا النهج الكلامي أو الخطابي لا يخلو من مخاطر للبلد بأسره. في كلمته الأسبوع الماضي في العشاء الختامي للمؤتمر السادس للطاقة الاغترابية، وفي سياق خطابه ضد اللاجئين والعمالة الأجنبية، أثار باسيل أزمة للاغتراب اللبناني نفسه الذي يُخاطبه. قال وزير الخارجية اللبناني إن "من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى، أكانت سورية، فلسطينية، فرنسية، سعودية، ايرانية أو أميركية فاللبناني "قبل الكل".

كم لبناني يعمل في فرنسا والسعودية والولايات المتحدة؟ نتحدث هنا عن مئات آلاف اللبنانيين. أن يأتي باسيل على إيراد هذه الدول الثلاث كمثال عشوائي في كلامه، خطأ فادح وينطوي على مخاطر. ولو أخذنا في الاعتبار أن باسيل وزير خارجية في ثلاث حكومات متعاقبة، لزادت فداحة الخطأ.

والغريب أيضاً أن باسيل وفي سياق حديثه، تطرق إلى ما يعتبره مصدر قوة للبنان وللبنانيين، أي ودائع المغتربين وتحويلاتهم، وانتقد من ينقل صورة مشوهة عن البلد. هل يُحافظ المسؤول على هذه القوة، من خلال تعريض أصحابها للخطر في أماكن عملهم؟

المشكلة أننا أمام مسؤول يُراكم النفوذ، لكن تعوزه المسؤولية، ولا يبدو أن هناك رادعاً يحول دون مراجعة ذاتية يحتاجها الرجل أكثر من أي شيء آخر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024