دور روسيا المفقود في "إتفاقيات إبراهيم"

بسام مقداد

الثلاثاء 2020/10/27
لا يأتي المسؤولون الروس كثيرا على ذكر عمليات التطبيع ، التي تجري بين دول عربية وإسرائيل. ومن المحتمل انهم يعبرون بذلك عن امتعاضهم المكتوم من غياب دور لروسيا في هذه العمليات ، وهي التي تعتبر وجودها لا غنى عنه في مختلف العمليات ،التي تدور في الشرق الأوسط منذ أن انخرطت في المقتلة السورية . وقد يكون تصريح وزير الخارجية سيرغي لافروف في 14 من الشهر الجاري لقنوات تلفزة روسية ، التصريح الوحيد ، الذي يمكن مصادفته في الفترة الأخيرة بشأن العمليات المذكورة . وتجنب الرجل في  تصريحه ذاك القول ، بأن روسيا تؤيد إتفاقات التطبيع ، التي تُعقد بإشراف الولايات المتحدة ، بل قال بأنها مع أن تتحسن علاقات إسرائيل مع جيرانها ومع البلدان الأخرى في المنطقة . إلا أنه سارع للقول "لكننا ضد أن يجري هذا على حساب مصالح الشعب الفلسطيني المثبتة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ذاك ، الذي أعلن نشوء الدولة اليهودية". وتابع لافروف القول ، بأن الدولة اليهودية تحيا وتنتعش ، وهم "أصدقاؤنا وشركاؤنا" ، بينما الدولة الفلسطينية ليست موجودة حتى الآن. 

وفي تصريح سابق للرجل لقناة تلفزة عربية ، نقلته صحيفة "kommersant" الروسية ، أفصح فيه مباشرة عن رغبة روسيا في إيجاد دور لها في الإتفاقيات المذكورة ، من دون أن يذكر أيضاً بأنها تؤيدها ، بل قال ، بأن موسكو تتابع باهتمام تطبيع العلاقات بين إسرائيل والبلدان العربية ، وتؤيد بحزم إعادة إطلاق الحوار بين الدول العربية وإسرائيل ، وبوسعها أن تساعد في تطويره ، بصفتها عضواً في "رباعية" الوسطاء الدوليين ، وعضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي . وقال بأن موسكو تنظر إلى التطورات الأخيرة في  العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية والبحرين بوصفها "وقائع حقيقية" ، وبأنها تلقت من أصدقائها العرب تأكيدات ، بأن هذه التطورات تهدف إلى تحسين الجو في المنطقة ،  ولن تستخدم ، بحال من الأحوال ، للتعدي على حقوق الشعب الفلسطيني. 

صحيفة الكرملين "vz" ، وتحت عنوان "خبير : من مصلحة البلدان العربية أن تكون لها علاقات جيدة مع إسرائيل" ، نشرت في 22 الشهر الحالي نصاً نقلت فيه آراء خبيرين روسيين معروفين بشؤون الشرق الأوسط حول "إتفاقيات إبراهيم" . يقول للصحيفة رئيس معهد الشرق الأوسط يفغيني ساتانوسكي ، بأنه لا ينبغي أن يكون هناك الآن أسئلة بشأن سلام إسرائيل مع العرب. فإسرائيل ، برأيه ، ليست بحاجة للأراضي العربية ، أما العرب ، فإن إسرائيل مفيدة جداً لهم . ويقول ، بأنه ليس سراً بأن القادة العرب كانوا في العلن يسمحون لأنفسهم بخطاب كاره لليهود ، أما في الكواليس ، فكانوا يقيمون علاقات وثيقة مع الدولة اليهودية . وتدخل في قائمة القادة العرب هؤلاء جميع الأنظمة التسلطية العلمانية ، مثل العراق في عهد صدام حسين ، وكذلك دول الخليج ، أي "كل العالم العربي" ، برأيه. ولذلك ينبغي التمييز بين "الثرثرة الشعبوية المعادية لإسرائيل" الموجهة للجمهور ، وبين السياسة الفعلية ، فذلك هو العالم العربي ، الذي "ينبغي تقبله كما هو" ، على قول ساتانوفسكي. 

ومن دون الإستناد إلى أية مصادر ومراجع ، يقول هذا المستشرق ، بأن ياسر عرفات ، الذي كانت إسرائيل تعتبره إرهابياً ، كان في الحقيقة "مرتبطاً بحكومات الدولة اليهودية" ، وهو بالذات من حذر تل ابيب في العام 1973 من الهجوم ، الذي كانت تعد له مصر وسوريا ، "لكنهم ، للأسف ، لم يصدقوه حينذاك". 

أما في ما يتعلق بالسودان  ، فقد أقامت الخرطوم ، منذ عهد عمر البشير ، علاقات وثيقة مع تل أبيب ، إلا أن الطرفين كانا يبقيان هذه الحقيقة في الظل ، على قول الكاتب . والطرفان يزمعان الآن إضفاء الطابع الرسمي على هذه العلاقة . فالسودان ، كما العديد من الدول العربية الأخرى ، بحاجة للخروج من القائمة الأميركية لممولي الإرهاب ، وإسرائيل بالنسبة للعرب في هذا المجال ، هي لوبي قوي ، إذا ما أخذنا بالإعتبار علاقاتها مع كل الإدارات الأميركية ، كائناً من كان شاغل البيت الأبيض ، على قول ساتانوفسكي ، الذي يسرد تفاصيل المفاوضات الجارية الآن بين الخرطوم وتل ابيب لتطبيع العلاقات بينهما.

أما الخبير الآخر ، الذي استضافته الصحيفة ، هو رئيس معهد "حوار الحضارات" ألكسي مالاشنكو ، الذي يعتبر ، أن العداء العربي الإسرائيلي ، الذي استمر 70 عاماً ، يتلاشى بالتدريج . فالدول العربية بمعظمها ، تعبت من الكلام عن تدمير إسرائيل ، وقمة كامب ديفيد العام 1979 ، التي عقدت أثناءها معاهدة الصلح المصري الإسرائيلي ، لم يكن أحد يقبضها جدياً حينذاك ، لكن تبين أن ذلك اللقاء قد وضع توجهاً ، ما يزال متواصلاً حتى يومنا هذا . وسنرى لاحقاً مصر ، الرئيس السوري بشار الأسد ، ملك الأردن عبدالله الثاني ، ولي عهد دبي حمدان بن محمد المكتوم ، سوف نراهم جميعاً منضبطي النفس في مواقفهم من إسرائيل ، التي ما عادوا يعتبرونها عدواً ، على قول مالاشنكو.

"المجلس الروسي للعلاقات الخارجية" نشر نصين مطولين حول "إتفاقيات إبراهيم" ، كان الأول في 15 الشهر المنصرم بعنوان "صديق صديقي : هل تنتظر إسرائيل "موكب التطبيع" لمدير الجمعية الأوكرانية لشباب شرق أوسطيين" ليونيد تسوكاناوف ، والثاني في 23 الشهر المنصرم بعنوان "السلام للشرق الأوسط : هل تغير"إتفاقيات إبراهيم" التاريخ" للباحث في قسم دراسة إسرائيل والجماعات اليهودية في معهد الإستشراق الروسي أرتيوم غوفمان. 

النص الأول يستعرض قائمة الدول العربية، التي قد تنضم إلى عملية التطبيع مع إسرائيل ، ويخصص موجزاً لمدى قرب كل من هذه الدول للعملية . ويخلص إلى القول ، بأن غالبية الدول العربية تعتبر مستقبل التطبيع مع إسرائيل عملية مشروعة ، وهي تعترف ببعض التعب من الصراع متعدد الأطراف وطويل الأمد ، وهو ما عكسه جيداً البيان "المحايد والودي" للإجتماع الأخير لجامعة الدول العربية . إلا أن الكاتب يستدرك ، بأنه لا تزال توجد ، بالطبع ، دول عربية تواصل اعتناق فكرة المواجهة مع إسرائيل ، لكن تأثيرها على الوضع العام ضعيف للغاية ، برأيه. 

وبعد أن يذكر الكاتب بموقف الفلسطينيين المعارض لعملية التطبيع ، واعتبارهم الدول السائرة بهذا الركب "دولاً خائنة" ، يقول بأن تركيا وإيران تؤيدان الفلسطينيين ، وتنتقدان بشدة موقف جامعة الدول العربية ، وتصفان قرار الإمارات والبحرين ب"القرار المنافق". 

النص الثاني يرى كاتبه ، أن نصوص "اتفاقيات إبراهيم" عمومية فضفاضة ، ما يشير إلى أن الأطراف لم يتمكنوا من التوصل إلى حلول وسط لجميع المسائل ، بل يواصلون البحث عنها . ويشير الكاتب إلى افتراق تفسير الطرفين للإتفاقيات ، وغياب ما يتعلق باحتمال حيازة الإمارات الطائرات المقاتلة الأميركية F-35 ، التي قال دونالد ترامب ، بأنه "ليس لديه مشكلة" في حيازة الإمارات لهذه الطائرات ، بغض النظر عن الإعتراض الإسرائيلي على ذلك. 

وبعد أن يشير الكاتب إلى غياب ذكر "التهديد الإيراني" في الاتفاقيات ، ومناهضة الفلسطينيين لها ، ومحاولة نتنياهو توظيفها لصالحه داخل إسرائيل ، يقول الكاتب أن "اتفاقيات إبراهيم" تزيد الإفتراق في التسوية الشرق أوسطية بين الإتجاهين العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي . وينفي الكاتب إمكانية التوصل إلى التسوية الشرق أوسطية على أساس المصالحة العربية الإسرائيلية فقط ، ويذكّر بتراجع عملية التسوية بعد إتفاقات أوسلو واندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية ، ولهذا اتسمت ردة فعل موسكو على "إتفاقيات إبراهيم" " بما يكفي " من ضبط النفس. 

وفي إطار البحث عن دور لروسيا في عمليات التطبيع الجارية ، يقول الكاتب ،  بأن موسكو تأمل في أن تساعد هذه العمليات في تعزيز الإستقرار والأمن في المنطقة ، والحل العادل  للقضية الفلسطينية . ولهذا يعتبر ، أن روسيا بوسعها ، بل يجب عليها ، أن تلعب دوراً نشطاً في التسوية الفلسطينية الإسرائيلية. 

ويخلص الكاتب إلى الإستنتاج ، بأنه من المبكر القول بتاريخية "إتفاقيات إبراهيم" ، إلا أنها ، لا شك ،  شكلت نقطة تحول في التسوية الشرق أوسطية ، ورسخت إتجاهاً جديداً في المنطقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024