كابيتول روما الجديدة

شادي لويس

الأربعاء 2021/01/13

حين عرض التصميم الأول لمبنى الكونغرس، على توماس جيفرسون- الكاتب الرئيسي لإعلان الاستقلال- قرر تغيير اسمه. بدلاً من تسمية قاعة الكونغرس، اختار مَن سيصبح الرئيس الثالث للبلاد، اسم "الكابيتول". تعود الكلمة ذات الأصل اللاتيني إلى معبد الإله جوبيتر، المعروف بإسم الكابيتوليوم، والمقام على قمة تلة كابيتولين، واحدة من التلال السبعة في روما. كان المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة، أو من سيطلق عليهم الآباء المؤسسون، مولعين بالمقارنة الرومانية. فجمهوريتهم مؤسسة على نسق الجمهورية الرومانية، البُعد الإمبراطوري لروما الجديدة لم يغب عن الأذهان منذ البداية، الكابيتول بجدرانه البيضاء، واصطفاف الأعمدة المستديرة على الواجهة، مصمم على الطراز النيوكلاسيكي تحديداً لهذا السبب، إحياءً للعظَمة التاريخية للماضي، وتأكيداً على الحق في وراثتها.

لكن الكابيتوليوم، لم يكن مركزاً للحكم أو مبنى للسياسة، بل مجمعاً للآلهة، جوبيتر رب السماء والرعد على قمته، حامي الإمبراطورية وضامن النذور والأقسام، ورمزه السماوي طائر العقاب القابض على الصواعق، وبين مخالبه راية للجيش الإمبراطوري.

صيحات الاعتراض على اقتحام أنصار ترامب للكابيتول، بوصفه تدنيساً لقدس أقداس الديموقراطية الأميركية، لم يكن مبالغاً فيها. فالآباء الأوائل ظنوا أنفسهم آلهة، أو أنصاف آلهة على الأقل، ومبنى اجتماعهم مقدساً. الاسم تم تعميمه في ما بعد، ليطلق على مجمعات المباني الحكومية في عواصم الولايات، فجميعها تحمل اسم الكابيتول، كل منها روما مصغرة، وفي القلب منها نسخة من معبدها الإلهي.

الإشارة إلى روما الجديدة لطالما اقترنت بإيمان بأورشليم الجديدة. فالولايات المتحدة، في فانتازيا مؤسسيها، وراثة للحضارة الغربية-اليهودية. وكما أن روما كانت عاصمة الإمبراطورية الوثنية، فهي أيضاً روما قلب المسيحية. ليس من باب الصدفة، أن الكابيتول الأميركي كان كنيسة أيضاً في البداية، واستخدمت قاعته الرئيسية لإقامة صلوات الأحد الصباحية، كما لعقد جلسات الكونغرس.

المجاز الروماني، ككل مجاز آخر، يحمل لعنة الأصل. فروما الجديدة، كالقديمة، محكوم عليها بالسقوط. يحمل الحلم الأميركي في داخله بذرة الكابوس، والجميع يعرف هذا. حين اقتحم "الأولاد الفخورون" مبنى الكونغرس، دُفعت روما القديمة إلى الصدارة في نشرات الأخبار. عشرات وربما مئات المقالات والتعليقات التلفزيونية والتحليلات وتصريحات لمسؤولين، في الولايات المتحدة وخارجها، شبهت اقتحام واشنطن بـ"نهب روما" بعد سقوطها. مرتدو الفراء والخوذة ذات القرنين، وأصحاب الشعور واللحى غير المحلوقة، بدوا مثل "البرابرة"، القبائل الجيرمانية التي اجتاحت عاصمة الإمبراطورية ودمرتها، ومن قبلها الغاليون، أو ذو الشعور الطويلة كما أطلق عليهم في الماضي. تعامل بعض تلك التعليقات مع المجاز بجدية شديدة، وانبرى بعضهم لمقارنات تاريخية بين انقلاب أباطرة روما على الجمهورية وتقاليدها، وبين ما حدث في واشنطن.

مؤيدو ترامب أيضاً يخشون سقوط الإمبراطورية. ينقسم الأميركيون حول السياسة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لكن ينتابهم الكابوس نفسه، الخوف من البرابرة. قوافل مهاجري أميركا الوسطى، والمتسللون المكسيكيون، والعرب، والنواب المسلمون واللاتينيون في الكونغرس، الأميركيون الأفارقة،.. هؤلاء هم الغزاة الجدد في نظر اليمين. سور الحدود المكسيكية هو نفسه سور هادريان، وبالغرض ذاته، حماية آخر حدود الإمبراطورية من برابرة كاليدونيا.

يدرك هؤلاء أن روما لم تُبنَ في يوم واحد، وكذلك لم تسقط في يوم واحد. وأن الإمبراطوريات تموت ببطء، تتفسخ تحت ثقلها الذاتي رويداً رويداً. يخشى هؤلاء، هولوكست ضد الجنس الأبيض، عملية إبادة وإحلال، صامتة وبطيئة، الملونون وصلوا إلى البيت الأبيض، ويصلون مرة أخرى، وروما كانت بيضاء ويلزم أن تبقى بيضاء، كما أن جدران الكابيتول يجب أن تظل مطلية باللون الأبيض.

البرابرة الذين اقتحموا واشنطن، فعلوا ذلك خوفاً من البرابرة، ولحمايتها منهم. قلب الإمبراطورية التي فقدت خصومها الخارجيين، مع إنهيار الكتلة الشرقية، وفقدت معها مبررها للقتال، تدرك أن أعداءها أصبحوا في الداخل، وأن الأعراض المبكرة للسقوط الطويل قد بدأت.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024