ايران ومعارك داخل البيت الواحد

حسن فحص

الأحد 2020/05/31
أخيراً وبعد محاولات متعددة كان نصيبها الفشل، استطاع الجنرال في حرس الثورة الاسلامية محمد باقر قاليباف ان يحقق واحدا من أحلامه السلطوية بان يكون أحد اضلاع مثلث القرار في النظام الايراني وأن يتولى رئاسة البرلمان كتعويض عن مساعيه السابقة بان يكون على رأس السلطة التنفيذية في رئاسة الجمهورية إن كان في مواجهة محمود احمدي نجاد عام 2005 او في مواجهة حسن روحاني في دورتي 2013 و2017. 

في جلسة لم تحمل الكثير من المفاجآت في تفاصيلها اصبح رئيس بلدية طهران وقائد الشرطة وقائد القوات الجوية في حرس الثورة (سابقا) رئيسا للبرلمان الايراني في دورته الحادية عشرة خلفا لعلي لاريجاني الذي تولى هذا الموقع لمدة اثنتي عشرة سنة وإنتقل بقرار من المرشد الاعلى ليشغل منصب مستشار له وعضوية مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يتولى رئاسته شقيقه صادق لاريجاني. 

إلا أن الاستثناء الذي كشفت عنه هذه الجلسة هي التفاهمات التي جرت بين جناحي جبهة الصمود والمحافظين الجدد (المحسوبين على الرئيس السابق أحمدي نجاد) وانتهت بإعلان إنسحاب مرشح الجناح الأخير حميد رضا حاجي بابائي من سباق التنافس مع قاليباف، فان الحقيقة الأبرز التي كرستها هذه المحطة تتعلق بنهاية التأثير والدور الذي سبق أن لعبه التيار المحافظ التقليدي في الحياة السياسية للجمهورية الإسلامية الايرانية والذي يمتد إلى أواسط القرن الماضي قبل انتصار الثورة والذي شكل جسر التواصل والعلاقة بين هذه الثورة وطبقة التجار او البازار، بعد أن حصل مرشحهم مصطفى مير سليم على (12) اثنا عشر صوتا فقط بعد اصرار "كيدي" على الاستمرار في السباق رافضا عدم الانسحاب لصالح قاليباف، ومحاولة اخيرة للحفاظ على وجود الجناح الذي يمثله قبل اعلان وفاته رسميا لصالح قوى جديدة أفرزتها التطورات التي واجهها التيار المحافظ و فرضتها ضرورات الحفاظ على السلطة في مواجهة التحديات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي برزت على مدى العقود الماضية من عمر هذا النظام داخليا وخارجيا. 

230 صوتاً من اصل 276 نائباً هو تعداد نواب البرلمان، شاركوا جميعا في جلسة انتخاب الرئيس وهيئة إدارة مكتب الرئاسة، هي مجموع الاصوات التي حصل عليها محمد باقر قاليباف ليصبح الرئيس الجديد للبرلمان الإيراني في دورته الجديدة. ما يعني ان قاليباف استطاع الحصول على اصوات 166 صوتا يمثلون جناح جبهة الصمود بالاضافة الى جزء من اصوات المحسوبين على تيار أحمدي نجاد بعد احتساب الأصوات التي ذهبت الى مرشحهم الثانوي فريدون عباسي الذي حصل على 17 صوتا، في حين صبت بعض الأصوات الاصلاحية التي لا تتعدى في مجموعها 16 صوتاً لصالح قاليباف، مع الاشارة الى بعض الأصوات الملغاة فضلا عن وجود 14 مقعداً فارغاً بانتظار استكمالها في الانتخابات التكميلية.

انسحاب جماعة أحمدي نجاد من السباق على رئاسة البرلمان يمكن وصفه بأنه انسحاب من أجل اختبار قدرة الجناح المقابل داخل التيار المحافظ على الاستمرار بالامساك بمفاصل القرار، وايضا استطلاع المواقع لمعرفة الجهة الأكثر تأثيرا في تحديد مسارات السلطة في النظام الايراني في السنة المقبلة موعد استعادة السيطرة على موقع رئاسة الجمهورية، فضلا عن أنه يشكل اختبار نوايا بين هذا الجناح وقطبي النظام (المرشد ومؤسسة الحرس) ومدى استعدادهما لعودة ممثل عن هذا الجناح الى موقع السلطة التنفيذية ان كان عبر مرشح يدفع به لينافس على هذا الموقع، او مباشرة عبر زعيمه الذي استطاع ان يكرس نفسه فاعلا في الحياة السياسية من خلال المواقف المحرجة التي اتخذها واعلنها لقيادة النظام والانتقادات التي وجهها لمراكز القرار إن كان في الرئاسات الثلاثة أو المؤسسة العسكرية الممسكة بالقرار( الحرس الثوري) او من خلال قدرته على ترجمة الاستثمارات التي وظفها شعبيا في الأطراف والتي سمحت له بالحصول على حصة وازنة ومقررة من مقاعد البرلمان الجديد.

ولا شك ان تمرير رئاسة قاليباف والانسحاب التكتيكي لجماعة احمدي نجاد جاء بناء على اعتبارات عديدة لعل ابرزها ان الاجواء داخل تيار السلطة في النظام ليست مناسبة بالمستوى المطلوب بحيث تسمح له ان يدخل في مواجهة مفتوحة مع منافسيه قد تكون نتيجتها عكسية او سلبية في مسار عودته الى الحياة السياسية، فضلا عن ان التخلي عن رئاسة البرلمان في هذه المرحلة تسمح له بالتخلص من اشد المنافسين الذي يحظى بتأييد المرشد بوجه اي مرشح قد يدفع به في السباق الى الانتخابات الرئاسية العام المقبل 2021، بعد ان ضمن أيضا خروج لاريجاني من هذا السباق بعد الموقع الذي حصل عليه من المرشد الاعلى، اضافة الى ان المرحلة المقبلة من العمل البرلماني ستكون مجالا لتحجيم وتقليص صلاحيات ودور رئيس البرلمان من خلال التصويب على تعديل النظام الداخلي للبرلمان بحيث يتحول موقع الرئيس الذي اكتسب دوره وفاعليته وتأثيره من حجم وموقع الأشخاص الذين توالوا عليه الى مجرد منسق لأعمال البرلمان ومتحدثا باسم النواب، اي "متقدم بين متساوين"، والتي يبدو ان قاليباف قد وافق على السير بها كشرط من هذه الجماعة مقابل تمرير وصوله الى الموقع. 

ومن المتوقع حسب الكثير من السياسيين الايرانيين، موالين ومعارضين، ان يتحول البرلمان الجديد الى ساحة صراع داخل اجنحة التيار المحافظ لإثبات قدرة كل منها في السيطرة على اللجان النيابية وتوظيفها لتأطير جهودهم السياسية والادارية والشعبية استعدادا لمعركة رئاسة الجمهورية التي اقتربت (نيسان ابريل 2021)، ما قد يعطي الرئيس حسن روحاني هامشاً لتمرير السنة الاخيرة من رئاسته بأقل قدر من المعارك التي لن يتوقف التيار المحافظ من اشعالها بوجهه على خلفية اعتراضاتهم على اداء حكومته في التعامل مع الملفات الاقتصادية والسياسية خصوصا العقوبات الامريكية وتداعيات الاتفاق النووي. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024