روايات روسية متعددة لإنفجار بيروت

بسام مقداد

الخميس 2020/08/06
صديقتنا ، التي تسكن في الطبقة العليا في مبنى برأس النبع ، قالت في وصف لحظة انفجار الأمس في المرفأ ، بأنها شعرت أن المبنى انزلق إلى الأشرفية ثم عاد إلى مكانه ، ثم اندفعت على الأثر في سماء بيروت غمامة ، لم تكن تشبه سوى غمامة انفجار هيروشيما . على غرار هذا الوصف الأباكوليبتي جاءت معظم عناوين الصحف والمواقع الروسية في حديثها عن انفجار بيروت . فقد تراوحت هذه العناوين بين "بيروت – هيروشيما الجديدة" ، "هذا ما ستكون القيامة شبيهة به " ، "بيروت تبكي" ، "بيروت تحولت إلى ركام" ، "إنفجار بيروت كان معادلاً لزلزال بقوة 4,5 درجات" ، "إنفجار قاتل في بيروت" ، "إنفجار بيروت أقل 200 مرة من إنفجار هيروشيما" ، وسواها من العناوين ، التي تبرز ما تراه المواقع الروسية من فظاعة حدث بيروت بالأمس. 

في خضم التكهنات الكثيرة حول أسباب الإنفجار وطبيعته ، استضاف عدد من المواقع الروسية كيميائيين روس من أشهر معاهد الكيمياء الروسية . فقد نقل موقع قناة التلفزة الروسية "Ren.tv" عن البروفسور في معهد مندلييف للكيمياء دمتري مصطفين افتراضه ، بان ما جرى هو إنفجار ألعاب نارية بالفعل ، وليس انفجار ذخائر حربية ، وذلك تبعاً للدخان الملون ، الذي رافق الإنفجار . ولا يستبعد البروفسور إمكانية  افتعال الإنفجار بشكل مقصود ، وإن كان لا ينفي إمكانية أن تكون حرارة الطقس المرتفعة هي المتسبب في الإنفجار . 

لكن فرضية البروفسور حول انفجار ألعاب نارية ، تخطاه الحديث عن الكارثة منذ اللحظات الأولى لوقوعها ، ولم يأت على ذكره الكيميائي الآخر ، الذي استضافه موقع " radio Sputnik" الناطق بالروسية. فقد أكد الكيميائي يوري أرلوف للموقع ، أن نترات الأمونياك لا يمكن أن تنفجر بذاتها ، دون تدخل خارجي لتفجيرها . وقال بأن هذه النترات تُستخدم لصنع المتفجرات في أعمال المناجم ، لكنها لا تنفجر دون تدخل الإنسان ، كما أن الشرر لا يكفي لتفجيرها ، بل لا بد من إضافات إليها لكي يتم التفجير . 

بدوره ، الكيميائي أوليغ جيلتونوجكو قال لوكالة نوفوستي ، أن المظهر الخارجي للغيمة ، التي تشكلت من إنفجار مرفأ بيروت ، يؤكد أن الذي تفجر هو ، في الأغلب ، أسمدة كيميائية . فالتفجيرات العسكرية والصناعية لا تنفجر على هذا النحو ، كما أن الأمر لا يشبه إنفجار ألعاب نارية ، والقول بانفجار أسمدة كيميائية ، هو القول الأقرب إلى الصواب.

ونقل موقع "radio Sputnik" عن إحدى الشركات الروسية المنتجة للأسمدة (لم يسمها) قولها ، بأن نترات الأمونيوم يتم تخزينها في مستودعات مخصصة لها ، وهذا ما تم تجاهله في مرفأ بيروت ، إضافة إلى تخزينها بجانب مواد قابلة للتفجير ، والقيام بعمليات تلحيم بوجود مواد قابلة للإنفجار ، مما يعتبر خرقاً فاضحاً للأمن الصناعي ، أفضى إلى تلك الكارثة في المرفأ ، كما يبدو.

موقع  "sibrealii" تخطى الخوض في الفرضيات المذكورة ، وقرر التحدث عن مصدر مادة نترات الأمونيوم ، وكيف وصلت إلى مرفأ بيروت . فقرر الموقع إجراء مقابلــــــــة مـــــــع القبطـــــــــــان السابـــــــق للسفينـــــــــة "Rhosus" ، التي كانت تبحر تحت علم مولدافيا ، وكان يملكها الروسي إيغور غريتشوشكين من مدينة خابارفسك في أقصى الشرق الروسي . يقول القبطان السابق للسفينة بوريس براكوشيف ، أنه انضم إلى السفينة في العام 2013 قبطاناً لها في رحلة إلى موزامبيق ، محملة بشحنة نترات الأمونياك من جمهورية جورجيا . انضم الرجل قبطانا للسفينة في تركيا ، بعد أن غادرها قبطانها السابق لخلاف مادي مع المالك ، وواصل الإبحار نحو موزمبيق ، إلا أن السفينة احتجزت مع طاقمها في ميناء بيروت لعدم دفع رسوم المرفأ ، ولمخالفات تقنية تتعلق بأمن إبحار السفينة . أخلت السلطات اللبنانية سبيل قسم من الطاقم ، الذي عاد إلى روسيا ، وأبقت على القبطان براكوشيف مع شخصين آخرين محتجزين على متن السفينة مدة 11 شهراً  ، كانت سلطات المرفأ تتولى الإنفاق على طعامهم ، وذلك لامتناع مالك السفينة عن دفع أي نقود لهم . 

ويقول القبطان ، أنه كان يكتب شهرياً للرئيس بوتين طلباً للمساعدة في الإفراج عنهم ، إلا أنه لم يتلق جواباً على رسائله ، سوى رد مقتضب من وزارة الخارجية يقول بأن مناشدتهم تم تحويلها إلى وزارة الخارجية الروسية . ويقول بأن القنصلية الروسية في بيروت أجابته بالقول "وهل تريد من بوتين أن يرسل قوات خاصة لتخوض معركة لتحريرك؟" . كان بوسعهم ، برأيه ، أن يكلفوا محامياً ، وأن يتقدموا بدعوى للمحكمة ، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل ، مما اضطره مع زملائه لبيع وقود السفينة وتكليف محام تقدم للمحكمة بدعوى على السلطات اللبنانية ، التي لم يكن يحق لها احتجازهم ، برأيه . وانتهت مسألة احتجازهم بقرار من المحكمة اللبنانية بإطلاق سراحهم وعودتهم إلى روسيا ، التي تكفل بنفقاتها مالك السفينة . 

وبشأن شحنة النترات ، بقول قبطان السفينة ، بأنه علم من زملائه البحارة ، الذين كانوا يبحرون إلى بيروت ، بأن السلطات اللبنانية نقلتها من السفينة إلى مستودع بإشراف وزارة النقل . أما السفينة فيقول بأنها قد غرقت بعد عامين أو ثلاثة من مغادرته بيروت ، إذ كانت تعاني من ثقب صغير في هيكلها ، مما كان يضطر بحارتها إلى إفراغ المياه منها دورياً ، حين كانوا محتجزين على متنها . 

وعن رأيه بما حصل في مرفأ بيروت ، يرى القبطان السابق  ، بأن اللبنانيين أنفسهم مذنبون في ما حصل ، إذ لم يكن عليهم أن يحتجزوا السفينة ، بل أن يسارعوا إلى التخلص منها .  وبدلاً من ذلك ، تمسكوا بمطالبتهم برسوم المرفأ من مالك تخلى عن السفينة وبحارتها ، و"هذا ما حصلوا عليه" . وبشأن نترات الأمونياك يقول ، بأنه سماد كان عليهم تسميد الحقول به ، لأنه غدا دون مالك ، طالما لم يطالب به أحد .  

وتصديقاً لكلام قبطان سفينة "Rhosus" السابق ، التي قد تكون انفجرت حمولتها من نترات الأمونياك في مرفأ بيروت ، نقلت نوفوستي في 5 من الشهر الجاري عن أولغا أنانينا ، مفتش نقابة البحارة الروس في مدينة نوفاراسيسك الساحلية ، تأكيدها بأن القبطان السابق طلب المساعدة من النقابة في العام 2014 . وقالت هذه السيدة ، بأن القبطان راجعها في حينه بشأن أجور البحارة ، لكن تبين أن مالك السفينة كان يقترض ثمن الوقود ، ومن ثم تخلى عن السفينة وبحارتها ، "الذين بقوا دون ماء وطعام" .

الصحيفة الروسية الوحيدة ، التي خرجت على إجماع الصحافة الروسية في تبنيها مقولة انفجار نترات الأمونياك في كارثة مرفأ بيروت ، كانت صحيفة "Novaya" المعارضة ، التي تبنت فرضية انفجار صواريخ إيرانية في المرفأ . فقد نشرت  الصحيفة يوم الإنفجار في 4 من الشهر الجاري مقالة بعنوان "الصواريخ الإيرانية تهز لبنان" بقلم الكاتب السياسي الدائم في الصحيفة وديع الحايك . وقال الكاتب بأن مصادر الصحيفة تحدثت عن الاسباب الحقيقية  للإنفجار المرعب في بيروت . ويحدد الكاتب في سياق المقالة هوية هذه المصادر ، حيث يقول بأن مصادر في الأجهزة الأمنية اللبنانية وفي حزب الله أبلغت الصحيفة ، أن العنبر رقم 12 كان يحتوي على معدات لتجميع الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى . ويقول الكاتب بأن مصادره تفترض أن حزب الله كان ينوي إستخدام هذه الصواريخ ضد إسرائيل ، وأن العامل الإنساني تسبب في التفجير . ويختتم الكاتب مقالته بالربط بين انفجار المرفأ والموعد ، الذي كان محدداً في 7 من الجاري لصدور حكم المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، ويقول بأن المحكمة كانت قد وجهت الإتهام إلى مسؤولين رفيعي المستوى في حزب الله ، وإلى مسؤولين سوريين كبار .

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024