نداء أنقرة:هل تسمع واشنطن؟

عائشة كربات

الأربعاء 2018/12/19
منذ بداية الصيف الماضي، يستمع الجمهور التركي للوعود المتكررة بالقيام بعملية عسكرية على الضفة الشرقية لنهر الفرات. وفي الآونة الأخيرة، زادت وتيرة هذه الوعود إلى مستوى عدة مرات في اليوم الواحد. السلطات التركية التي تكرر شعار "ذات ليلة فجأة سنكون هناك" لا تستهدف فقط آذان الجماهير التركية بل أذان الإدارة الأميركية أيضاً. تحاول أنقرة إقناع حليفها في "الناتو" بالتعاون بشكل أفضل في سوريا عبر استخدام البطاقة العسكرية.
نطاق العملية العسكرية غير واضح بعد. سيعتمد ذلك على ما إذا كانت آذان الأميركيين الصماء حتى الآن ستسمع تركيا؛ وكلما سمعوا، كلما كان حجم العمل العسكري أقل، ولكن تحت أي ظرف، لا بد من القيام بعملية عسكرية في شرق الفرات لسببين: أولاً، على تركيا أن تثبت أنها عندما تظهر عضلاتها، فعليها أن تستخدمها. ثانياً، الانتخابات المحلية تقترب، ويأمل حزب "العدالة والتنمية" في أن يتمكن من الفوز بها إذا تعاون مع حزب "الحركة القومية" الذي بدأ مؤيدوه بالفعل يتمتمون حول استيائهم بسبب ما وصفوه بأنه تأخير للعمل العسكري.
من الصعب تخمين ما إذا كانت العملية ستستهدف المنطقة بأكملها شرق النهر على طول الحدود التركية التي تبلغ حوالي 500 كيلومتر أو أجزاء منها فقط. ومع ذلك، فإن مجموعات الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا قد انسحبت من الجزء الغربي من الفرات فقط ليتم إعادة نشرها مقابل تل أبيض وبعض المواقع الأخرى. منذ نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر، تستهدف مدفعيتها بعض المناطق حول تل أبيض وكوباني (عين العرب).
هناك بعض التحضيرات الأخرى في بعض المواقع الأخرى، لكن مهما كان نطاقها، فبالتأكيد سيتم تضمين تل أبيض لأسباب متعددة. في الأصل كان سكانها من العرب في الغالب، وهي الباب إلى الرقة بالنسبة لتركيا، وسوف تقطع المناطق التي يسيطر عليها الأكراد إلى قسمين، وإذا تم الاستيلاء عليها فإنها سوف تهدد السلامة الإقليمية للمناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب.
وحدات حماية الشعب وفقاً لتركيا ليست سوى نسل حزب العمال الكردستاني الذي يشن حملة "إرهابية" منذ عقود، ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، فهي حليف ضد "داعش".
منذ عام 2016، قامت تركيا بعمليتين عسكريتين عبر الحدود في سوريا. عملية "درع الفرات" و"غصن الزيتون". كلاهما يستهدف المناطق في الجانب الغربي من الفرات أو بعبارة أخرى في المناطق التي هي تحت السيطرة الروسية وفقاً لاتفاق ضمني غير مكتوب بين موسكو وواشنطن؛ الجانب الغربي من النهر الذي تسيطر عليه روسيا، والجانب الشرقي تحت سيطرة الأميركيين. الاستثناء هو منبج، التي تقع في الغرب ولكن يسيطر عليها الأميركيون، ليس بسبب أهمية استراتيجية ولكن كورقة مساومة إضافية أخرى.
عندما أطلقت تركيا عمليتها العسكرية الثانية في عفرين، كان لديها مباركة إن لم يكن تعاون من روسيا، لكن هذه المرة، ليس لديها موافقة أميركية. أولاً، هناك وجود الجنود الأميركيين هناك. لقد قال المسؤولون الأميركيون بالفعل إن بدء عملية عسكرية في هذه المنطقة فكرة سيئة. قوات شرطة حماية الشعب هناك، هي أفضل تدريباً وأفضل تجهيزاً مقارنة بأشقائهم غرب النهر، وهذا يعني أن قوات الجيش السوري الحر، كأحد مكونات التوغل العسكري المتوقع مثل العمليتين السابقتين، ستواجه المزيد من المقاومة.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا لا تستهدف الجنود الأميركيين. بعض الخبراء قرأوا هذا على أنه تحذير مقنع إلى الولايات المتحدة؛ اسحبوا جنودكم، فنحن قادمون. يعتقد الخبراء أنفسهم أن هذا هو سبب تأخر العملية؛ لضمان اتصالات أفضل مع الولايات المتحدة أو إجبار الولايات المتحدة على التعاون.
ومع ذلك، قد تكون تلك من أدوات دبلوماسية البوارج الحربية. ربما هي إحدى الطرق لإبلاغ الأميركي بضرورة أن يستمع إلى أنقرة؛ لقد وعدت عدة مرات لكنك لم تحقق بعد إخراج وحدات حماية الشعب من منبج. يمكننا أن نبدأ من هناك. مثلما نفعل في منبج، يمكن أن يكون لدينا دوريات مشتركة على طول الحدود التركية. قم بإزالة مراكز المراقبة التي أنشأتها لحماية وحدات حماية الشعب منا. إذا كان اهتمامك هو "داعش"، يمكنني مساعدتك، يمكنك التعاون معي، بدلاً من الوحدات الكردية، ثم يمكننا إنهاء ما تبقى من "داعش". ولكن الأهم من ذلك: أن تفعل شيئاً على مستوى علاقاتنا الثنائية لإقناعي بأنك شريك حقيقي.
مع ذلك، فإن مثل هذا الأمر متأخر قليلاً.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024