إيران..على حافة الانسحاب

حسن فحص

الأحد 2019/09/08

اتخذت ايران الخطوة الثالثة في مسار تقليص او تخفيض الالتزامات التي تعهدت بها في الاتفاق النووي، وهي خطوة كان من المفترض ان تكون الاكثر تصعيدا في المسار التراجعي في هذه التعهدات، ردا على العقوبات الاميركية، بل ردا على الفشل الاوروبي وتحديدا الفرنسي في تقديم محفزات مالية واقتصادية للالتفاف على العقوبات الاميركية وتسمح للفريق الايراني المفاوض في اقناع القوى المتشددة الداخلية – المطالبة بالانسحاب من الاتفاق النووي- بصوابية موقفها في الحفاظ على الاتفاق والاستمرار في تطبيقه. 

هذه الخطوة جاءت بعد فشل الجهود الفرنسية والرئيس ايمانويل ماكرون في اقناع نظيره الاميركي دونالد ترامب بالموافقة على المبادرة التي حاول تسويقها والتي تسمح بفتح اعتماد اوروبي بقيمة 15 مليار دولار تعويضا عن الخسائر التي لحقت بايران جراء تحريم واشنطن بيع النفط، بالاضافة الى عودة ترامب عن قرار الغاء الاعفاءات النفطية التي منحها لبعض الدول الاوروبية والاسيوية، ما اعاد الامور الى نقطة الصفر، خصوصا وان واشنطن اعلنت رفضها الواضح والمباشر للمبادرة الفرنسية، ورفعت سقف التحدي بان اعلنت على لسان مبعوث ترامب للملف الايراني براين هوك بانها لن تسمح بتمرير الاعتمادات المالية الاوروبية المقترحة وانها ستفرض عقوبات على آلية التعامل المالي والاقتصادي التي يعمل على انشائها، وعززتها بفرض سلسلة من العقوبات الجديدة على قطاع النفط طالت 16 شركة و10 اشخاص و11 ناقلة نفط. 

التقسيم الايراني لمراحل الخطوة الثالثة بين المباشرة في تركيب اجهزة طرد متطورة من الجيل الرابع IR4 بداية ثم الجيل السادس IR6 بالتزامن مع رفع القيود عن تطوير البنية البحثية والاختبارات النووية، والتأكيد على الاحتفاظ بمستوى تخصيب لا يتعدى الخمسة في المئة 5%، وتأجيل الانتقال الى مستوى تخصيب 20% عشرين في المئة وما يستدعيه من رفع مستوى عمل اجهزة الطرد المركزي في منشأة "فردو" المخصصة لذلك وللابحاث النووية، يعني ان ايران تسعى لترك الباب مفتوحا امام التفاوض مع الترويكا والاتحاد الاوروبيين، وانها لا تريد حرق المهلة الزمنية التي حددتها بستين يوما (60) التي اعتمدتها لكل خطوة، بما يسمح لها بايصال الرسالة الى هذه المجموعة وابتزازها من اجل دفعها لاتخاذ اجراءات اكثر ثباتا وجدية في اطار الجهود التي تبذلها لمساعدتها في تخطي حرب العقوبات الاميركية، وبما يبقيها داخل اطار الاتفاق النووي الذي تؤكد انها لا تنوي الخروج منه.

الانتقال الى هذه المرحلة من تقليص التعهدات يضع ايران على حافة الانسحاب من الاتفاق النووي، اذ ان عدم التوصل الى تفاهم مع الطرف الاوروبي بموافقة اميركية يعني ان المخزون الايراني من اليورانيوم المخصب بمستويات اقل من 5% سيرتفع، وبالتالي ستكون طهران امام خيارات مفتوحة، اما تجميد انتاج اليورانيوم المخصب، واما الانتقال الى مستوى تخصيب اعلى بنسبة 20%، واما الذهاب الى خطوة تعلق نشاطها في الاتفاقات الدولية الخاصة والحد من حرية التفتيش، واما التخلي عن القناة الاوروبية في مساعي حل ازمتها الاقتصادية والمالية والذهاب الى التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الاميركية والقبول بالشروط التي وضعها الرئيس الاميركي خصوصا ما يتعلق بعقد لقاء مباشر مع نظيره الايراني حسن روحاني تحت سقف الالتزام الاميركي بوقف المساعي لتغيير النظام والتفاوض على مختلف الملفات الاقليمية والصاروخية والنووية. 

واذا ما لجأت ايران الى تفعيل المرحلة الثانية من الخطوة الثالثة التي اعلنت عنها قبل ايام، يعني الانتقال الى تخصيب بمستوى 20%، تكون بذلك قد استخدمت احد اهم اوراقها على طاولة المقامرة في لعبة الضغوط على الاوروبيين والمجتمع الدولي، اما برفع التخصيب الى مستويات غير مدنية وبحثية، او الانتقال للتلويح بخطوات تراجعية في ما يتعلق بمفاعل اراك للماء الثقيل، والذي سيعطي ايران فرصة استخدامه على مراحل في سياسة الضغط والابتزاز قبل الوصول الى الحائط المسدود في مواجهة التمسك الاميركي بسياسة العقوبات وتصعيدها وتوسيعها، عندها لن يكون امامها سوى الخطوة النهائية التي تعني اعلان الانسحاب رسميا من الاتفاق النووي بكل مندرجاته، وهو ما تحاول ايران ايصاله في التحذيرات التي تصدر عن مسؤوليها بانها لا تريد الوصول الى مرحلة لا يمكن التراجع عنها، في حين ان كل الخطوات التي قامت بها حتى الان يمكن التراجع عنها خلال ايام بما يسمح بالعودة الى تطبيق جميع التعهدات.

السير على حافة الانسحاب، يشكل عودة ايرانية الى الاستراتيجية التي اعتمدتها في السابق بالسير على حافة الهاوية، من دون  الوصول الى خطوة الانسحاب التام، لان ذلك يعني خسارة كل المكتسبات التي حققتها في هذا الاتفاق في زمن الرئيس السابق باراك اوباما، وستكون مجبرة على الجلوس الى طاولة مفاوضات جديدة وصعبة مع ادارة ترامب من المستبعد ان تكون من دون تنازلات في جميع الملفات، لذلك فهي لن تذهب الى خطوة تنحر فيها الاتفاق القائم والحالي وبالتالي تنحر كل ما حققته سياسيا واقليميا، وهذا ما لا يريده اي من الاطراف في الداخل الايراني. وما تسعى له طهران هو عدم اعلان موت الجهود الاوروبية – الفرنسية، ومساعدتها للوصول الى نقطة وسط بين طهران وواشنطن تشجع القيادة الايرانية بالموافقة على عقد لقاء بين الرئيسين وتحمل التداعيات السياسية والايديولوجية المترتبة على ذلك وتدفع ترامب في المقابل على تخفيف العقوبات تمهيدا لتفاهم اشمل واوسع في المستقبل حول جميع الملفات العالقة بينهما. 




©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024