فرصة فلسطينية لإيران

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/05/31
التصريحات الإيرانية حيال العقوبات والتهديدات الأميركية المرافقة لها، تتأرجح بين قبول المفاوضات مع الأميركيين ونفي دور طهران في التصعيد الأمني-العسكري من جهة، وبين تلويح بالقوة وارتفاع في حدة اللهجة، من جهة ثانية.

لكن التجربة مع النظام الإيراني أثبتت أن المؤسسات الجمهورية المنتخبة مثل الرئاسة والوزارات القريبة منها كوزارة الخارجية، تصير خارج المعادلة فور وقوع أزمات مثل هذا النوع. القرار يُصبح في عهدة "المؤسسات الثورية" بقيادة المرشد علي خامنئي. ومنذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وخامنئي يُصوب سهامه نحو الرئيس الإيراني حسن روحاني وفريقه، مُذكراً إياهم بتحذيراته ورسائله في خصوص ضرورة عدم الوثوق بواشنطن، وبأن الجمهوريين والديموقراطيين وجهان لمضمون واحد. والحقيقة أن المحافظين بأجنحتهم المختلفة والقريبين عادة من المرشد والحرس، استعادوا المبادرة أخيراً نتيجة سياسات الادارة الأميركية، والأرجح أن الانتخابات الرئاسية بعد سنتين ستعود إليهم بعد 8 سنوات من الغياب. هل تتخيلوا المنطقة بعد سنتين في ظل الرئيس دونالد ترامب وأحمدي نجاد آخر، أو ربما هو نفسه؟

لكن قبل الوصول الى هذه المرحلة، على إيران مواجهة التحديات الآنية والطارئة. ذلك أنها اليوم أمام انهيار شامل لموارد الدولة من النفط نتيجة العقوبات الأميركية والمتابعة الحثيثة لتطبيقها. لو استمرت المبيعات الإيرانية في المستوى المنخفض لهذا الشهر، سيُواجه النظام الإيراني تهديداً وجودياً خلال شهور قليلة.

ما العمل؟

تاريخياً، يُساعد التصعيد مع واشنطن وحلفائها النظام الإيراني في إدارة أفضل للأزمات الداخلية، وهو مُفيد أيضاً لخنق الحريات ورص الصفوف، حتى إيجاد مخرج ملائم. لكن المواجهة المباشرة، حتى عبر الحلفاء أو الوسطاء، مُكلفة وذات مخاطر عالية جداً، وقد ترتد على إيران في الداخل وفي ساحات نفوذها.

حتى في العراق حيث الأوراق الإيرانية كثيرة، بدأت تتعالى أصوات ضد جر البلاد الى مواجهة لانقاذ طهران، كما جاء في كلام الزعيم الشيعي مقتدى الصدر. أي تورط مباشر لفصائل من الحشد الشعبي تحت عنوان مساعدة إيران، لن يترك صدى طيباً في العراق، وسيفتح مجالات كي يتقدم الخصوم السياسيون. لكن لماذا يخوض حلفاء إيران معركة تحت إسم مواجهة العقوبات، وفي حوزتهم عنوان أكثر فاعلية وجاذبية إسمه فلسطين؟

ذاك أن الولايات المتحدة تُحارب العالم دفعة واحدة وبلا قفازات. فتح ترامب حرباً تجارية مع الصين، وفرض عقوبات قاتلة على إيران، وافتعل خصومة سياسية مع أوروبا، وأيضاً وفوق كل ذلك، أهدى صُهره جاريد كوشنر تفويضاً لإعداد وثيقة استسلام للفلسطينيين برشوة عربية، سماها "صفقة القرن".

وهذه إهانة صادمة للفلسطينيين والمتعاطفين معهم في المنطقة، بالإمكان استثمارها إعلامياً إلى حد أقصى، ومن ثم سياسياً وعسكرياً. صحيح أن القضية الفلسطينية فقدت بريقها السابق لدى شعوب المنطقة. لكن إعلان "صفقة القرن"، أي وثيقة الاستسلام، وما سيليه من رد شعبي وفصائلي فلسطيني، كفيل بإعادة الحيوية والأهمية للقضية الفلسطينية، شعبياً على الأقل. والدماء الفلسطينية كفيلة أيضاً بإحراج الأميركيين وحلفائهم المشاركين في هذه المؤتمرات.

حتى الأُميّ في السياسة قادر على اجتراح هذه الاستنتاجات عن تداعيات ما يُسمى "صفقة القرن". وبالتأكيد، لا يُمكن إحتساب الإيرانيين ضمن هذه المجموعة. وأي فُرصة أكبر اليوم من مواجهة "صفقة القرن"، في ظل الرفض الفلسطيني الجامع لها؟ على هذه الموجة، سيأتي أحد وجوه الرد الإيراني.

ومن هذه البوابة تحدث مرشد الثورة الإيرانية يوم الأربعاء الماضي عن "هزيمة" مقبلة لأميركا "وأذنابها في المنطقة". ذاك أن انتفاخ حشود "يوم القدس" في العراق أيضاً إشارة إلى هذا التوجه. مواجهة الولايات المتحدة من بوابة رعايتها وثيقة استسلام يرفضها الفلسطينيون جماعياً، أفضل من تصعيد تحت عنوان العقوبات على دولة مجاورة.

وكالعادة، حلول أزمات كثيرة تمر عبر فلسطين، إلا القضية نفسها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024