إنت مين؟!

محمد خير

السبت 2017/05/27

ربما فوجئ أبو المعاطي مصطفى، عضو البرلمان المصري، تماماً كما فوجئ من هم خارج المجلس، بأن البرلمان المنتظر، الذي غاب ثلاث سنوات منذ أن أمرت بحلّه المحكمة الدستورية العليا، قد قرر في جلسته الثانية بعد العودة، أن يمنع بث الجلسات على الهواء مباشرة. ربما كانت صدمة حقيقية للدكتور أبو المعاطي الذي يدخل البرلمان للمرة الأولى، ولا بد أنه يريد لأهل دائرته أن يروا مجهوداته البرلمانية عبر شاشة التلفاز. لذا فقد كان واحداً من قليلين رفضوا القرار الذي أيدته الغالبية. في الواقع، كان رفضه خجولاً في صورة امتناع عن التصويت "لقناعته بضرورة عرض الحقيقة على الشعب"، كما صرّحت صفحته العامة في "فايسبوك"، والتي كانت لا تزال تحمل اسم "المرشح" أبو المعاطي مصطفى. 


غير أن امتناعه أو رفضه التوقيع على القرار، لم يغيّر من الواقع شيئاً. فقد تم وقف بث الجلسات "منعاً للمزايدات والاستعراضات في هذه المرحلة". لكن "هذه المرحلة" امتدت أسابيع وشهوراً، وتجاوزت عاماً ونصف العام، ولم يعد البث إلى اليوم، ولا يبدو أنه سيعود قريباً. لكن أبو المعاطي لم يستسلم، استطاع جذب الضوء إلى نفسه مرة تلو المرة. غير أن طبيعة الضوء الذي استطاع جذبه لم يكن من النوع الذي يعلق في الذاكرة، حتى أن محاولته الأخيرة انتهت هذا الأسبوع عند رئيس الجمهورية، الذي سأله بغضب: إنت مين؟

كان ذلك اليوم، 23 أيار/مايو، فرصة ذهبية لأبو المعاطي كي "يتكلم". فالرئيس يزور دائرة النائب، دمياط. وفي زحام الافتتاح، طلب النائب الكلمة والميكروفون. كان يجلس في أحد الصفوف خلف الرئيس. وقف وتكلم بحماسة، وطالب بالإبقاء على الدعم للوقود والكهرباء، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى ثلاثة آلاف جنيه (حوالى 160 دولار). كلام لا عيب فيه، ومطالب معقولة، ترضي الجمهور ولا تغضب أحداً. بل هو كلام لا يختلف كثيراً عن كلام الرئيس نفسه، من المرحلة المتفائلة في بداية رئاسته. لكن الرئيس، بعد ثلاث سنوات من الرئاسة والمشاكل، غضب. وقبل أن يعود أبو المعاطي إلى مقعده، تناول الرئيس الميكروفون سريعاً، ووجه إليه الكلام بنبرة حادة: إنت مين؟

أجاب أبو المعاطي بأنه عضو مجلس النواب. فواصل الرئيس: نواب إيه؟ إنت دارس الموضوع اللي بتتكلم فيه؟ إنت عايز دولة تقوم ولا تفضل ميتة؟

حاول النائب أبو المعاطي أن يتكلم، فقاطعه الرئيس: ادرسوا المواضيع كويس، واعرفوا البلد فيها إيه، 3 آلاف جنيه حد أدنى؟ بعد كام سنة؟

بعد تصفيق الحضور، واصل الرئيس: الدول ما بتقومش (لا تقوم) بالعواطف والكلام اللي مش مدروس. أنا مسؤول قدامكم إنها تبقى دولة ذات شأن وقيمة. مش كلام زي "نأجل" و"بلاش دلوقتي" و"معلش". من فضلكم اللى يتصدى للموضوع يبقى دارسه دراسة كاملة.

وفي مساء اليوم ذاته، حاولت وسائل إعلام وبرامج تلفزيونية، التواصل مع النائب، الذي صار لقبه في الإعلام "النائب الذي عنّفه السيسي" أو "النائب الذي تسبب في انفعال الرئيس". لكن أبو المعاطي، الذي أزعجه منع الشاشات من تغطية البرلمان، رفض بنفسه هذه المرة الظهور التلفزيوني، واكتفى بتصريحات صحافية تقول إنه "مش زعلان" وإن "السيسي على دماغنا"، وإنه "مجرد وسيط لإيصال صوت المواطن للرئيس"، وإنه، وإن كان "ليس نادماً على إيصال الرسالة للرئيس" فإنه "لم يستطع إيصال وجهة نظره بشكل صحيح"، مختتماً بأنه يعي جيداً "حجم الظروف الاقتصادية التي تعانيها الدولة".

غير أن الإعلام الذي رفض أبو المعاطي –في لحظة شهرته الأبرز – الظهور فيه، تتبع تاريخه، ليكتشف مفاجآت. وعلى طريقة الممثل الذي بعد أن ينال شهرة مباغتة، تكتشف أنه أدى عشرات الأدوار الصغيرة من دون أن تنتبه إليه، كان أبو المعاطي بطلاً مغموراً لوقائع اهتمت بها الصحافة ثم نسيت اسم صاحبها. أبرزها، حين ناقش البرلمان محاولة – فشلت - لمنع الحبس بتهمة "خدش الحياء" في قضايا النشر، فكان رأي أبو المعاطي إن حتى روايات نجيب محفوظ "تخدش الحياء" وإنه "كان يستحق العقاب، لكن أحداً لم يحرك الدعوى الجنائية ضده". وحين أثارت تصريحاته ضجيجاً، عاد لتأكيدها، مضيفاً المخرجين والممثلين إلى خانة من يستحق العقاب.

وواصلت الصحافة البحث في التاريخ القريب لأبو المعاطي، لتكتشف أنه في أسبوع تصريحات نجيب محفوظ ذاته، قام بتسليم "طائرة" عثر عليها مزارع في أرضه، إلى أجهزة الأمن، مشتبهاً في كونها طائرة تجسس، قبل أن يعلن الأمن أنها ليست كذلك وهي مجرد "لعبة" لم يُستدل على صاحبها. وتعود الصحافة إلى الجلسة الأولى للبرلمان. الجلسة الوحيدة التي بُثّت تلفزيونياً، لتكتشف أن أبو المعاطي تشاجر في تلك الجلسة الأولى مع زميله النائب مرتضى منصور "رئيس نادي الزمالك"، لأن الأخير لم يلتزم بنصّ القسم، لعدم اعترافه بثورة 25 يناير التي يعترف بها الدستور، فطالبه أبو المعاطي: "يا تحلف صح، يا تخرج برة المجلس"، وهو ما يُعدّ من صلاحيات رئيس المجلس بعد إنذار النائب ثم تطبيق اللائحة.

هكذا، دُبّجت التقارير الصحافية عن "أزمات" النائب أبو المعاطي مصطفى. لقد نال الشهرة أخيراً، ولم يعد في حاجة إلى النقل التلفزيوني المباشر. المفارقة، أن كل تلك الشهرة جاءت بعد سؤال "إنت مين؟". كأنها محاولة غير مقصودة للإجابة على سؤال الرئيس، أو ربما نال أبو المعاطي شهرته هذه المرة، لأنه تحدث أخيراً عما يهم المواطن حقاً، الأسعار والدعم والأجور.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024