رفات كوهين إلى إسرائيل في أيار؟

بسام مقداد

الأربعاء 2019/04/17
لم يتطرق الإعلام الروسي كثيراً إلى الشائعات ، التي راجت في الأيام الأخيرة حول استعادة رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين  . واقتصر الأمر على صحيفة روسية واحدة (news.ru ) تساءلت في طبعتها الإسرائيلية ، الإثنين المنصرم في 15 من الجاري ، ما إن كان يمكن أن تعود جثة كوهين إلى إسرائيل . وقالت بأن وسائل الإعلام تتداول شائعات تشير إلى أن جثة كوهين قد تم نقلها من سوريا إلى موسكو . غير أنها تستدرك بأن إسرائيل لا تؤكد الأمر ، وإن كان يوجد "أمل مرتبك" بأن تعود إلى إسرائيل رفات الجاسوس ، الذي كشف أمره وأعدم في دمشق منذ 54 عاماً . وتقول بأن أرملة الجاسوس ناديا كوهين كانت قد توجهت إلى بشار الأسد في الخريف الماضي برسالة قالت فيها ، بان عمرها 83 عاماً ، وأن والدة زوجها توفيت عجزاً وبكتها أكثر لأنها لم تر ضريح ابنها ، وطلبت من الأسد أن "يدعه يستريح في تراب وطنه" . وكان موقع "detaly" الإسرائيلي الناطق بالروسية قد نقل عن هذه الأرملة قولها بمناسبة استعادة رفات الجندي زاخاريا بومل مطلع الشهر الجاري قولها ، بأنها شعرت "بإهانة لا توصف" حين سمعت نبأ استعادة الرفات ، وبأن "موقف الدولة من أسر المفقودين ، موقف معيب " .

بعد هذه الإشاعات، التي ترددت في الأيام الأخيرة في الإعلام الإسرائيلي وسواه حول رفات الجاسوس كوهين ، والتي لم يؤكدها أي مصدر رسمي روسي أو إسرائيلي ، خرجت صحيفة الكرملين "vz" مساء الثلاثاء في 16 من الجاري لتحسم في الأمر وتفترض أن شهر أيار/مايو القادم هو "موعد منطقي" لإعادة رفات الجاسوس كوهين إلى تراب "الوطن" . فقد كتبت تحت عنوان "إسرائيل تنتظر من روسيا إلتفاتة كرم غير مسبوق" مقالة مطولة تقول فيها بأنه ثمة أنباء تشير إلى أن بوسع موسكو تقديم خدمة رمزية شديدة الأهمية لإسرائيل، وذلك بتسليمها جثة إنسان أُعدم في سوريا منذ زمن بعيد ، ويعتبرونه المخابراتي الإسرائيلي الأكثر تميزاً في كل العصور، على قولها.

وبعد أن تتساءل الصحيفة عن حاجة روسيا إلى مثل هذا التعاون ، تقول بأن قناة تلفزة إسرائيلية (لم تسمها) عممت نبأ مفاده أن وفداً روسياً رفيع المستوى نقل من سوريا نعشاً يضم رفات المخابراتي الإسرائيلي إيلي كوهين . وتقول بأن القناة تستند إلى مواقع لا يعتد بها ، لم يعلق عليها رسمياً أحد في إسرائيل ، وكان يمكن تجاهلها " لو لم تكن تتناسب كثيراً مع سياق العلاقات الروسية الإسرائيلية ، حتى لو كان الصحافيون في تل أبيب قد اخترعوها" .

وتقول الصحيفة ، أن الإتصالات بين روسيا وإسرائيل حول تقديم العون في البحث عن رفات الجنود الإسرائيليين بدأت في العام 2016 . وبعد أن تدخل في تفاصيل العملية السابقة في أعادة رفات العسكري زاخاريا بومل ، وما يعنيه دفن الميت من أهمية في الديانة اليهودية ، تقول بأن إسرائيل قدرت المساعدة الروسية في هذه العملية ، التي خاطر بها الجنود الروس بحياتهم مجاناً ، في حين كان السوريون والمصريون يساومون على كل أسير وعلى كل جثة. وتقول أنه بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية ، قررت روسيا تجاوز المسألة وفصل عمليات البحث عن الظروف السياسية العسكرية الملموسة ، ليس لأنها يمكن أن تطلب غداً شيئاً مقابل ذلك من إسرائيل، بل لأنه "يمكن أن تطلبه بعد غد". وهي ترى ، بأن روسيا لا شك سوف تحتاج لتنسيق العمليات مع إسرائيل في عدد مختلف من المجالات ، وقالت بأن الصداقة تخلق الظروف المؤاتية لمثل هذا التنسيق، "إن لم يكن الآن ، ففي وقت ما ، بالضرورة" .  

أما في ما يتعلق برفات إيلي كوهين ، شديدة الرمزية بالنسبة لإسرائيل ، فلم تتوقف تل ابيب عن محاولة استعادتها منذ إعدامه في ساحة المرجة العام 1965، حسب الصحيفة. وتقول بأن أسرة كوهين تنشط في هذه القضية، وخاصة شقيقه موريس عميل الموساد السابق ايضاً، مع أبنائه، الذين ينتسبون إلى أصحاب النفوذ البارز في النخبة السياسية الإسرائيلية .

وبعد أن تُغرق الصحيفة في سرد تفاصيل قصة كوهين المعروفة، وتدخل في مغالطات مستغربة بالنسبة لصحيفة الكرملين، تقول بأن السبب في اكتشاف أمره يعود إلى نشاطه الفائض، حيث كان يرسل المئات من البرقيات إلى إسرائيل من شقته الكائنة مقابل مبنى الأركان العامة السورية . وتقول بأنه قد بالغ في مراسلاته مع تل أبيب، التي كانت أحياناً بسبب الوحدة والإرهاق الجسدي والعصبي ، كأنه يعلق على خسارة فريق كرة إسرائيلي مفضل لديه .

وتقول الصحيفة ، أنه بعد أن اكتشف السوريون أمر كوهين بمساعدة الخبراء الروس ، الذين حملوا معهم من موسكو جهازاً جديداً لكشف أجهزة الإتصال، أطلقت إسرائيل حملة واسعة لإنقاذه، لجأت خلالها إلى شارل ديغول والبابا بولس السادس، وإلى العشرات سواهما من الشخصيات العالمية البارزة . وفي إسرائيل نفسها، طلب بن غوريون من الصحف الإسرائيلية أن تصدر يومياً وصورة كوهين في صدر صفحاتها الأولى، حسب الصحيفة .

لكن كل ذلك لم يجدِ نفعاً ، وتم إعدام كوهين في ساحة المرجة بدمشق في 18 أيار/مايو العام 1965 ، وبقيت جثته معلقة لمدة 6 ساعات ، دُفن بعدها في المقبرة اليهودية في دمشق وفق جميع المراسم اليهودية بحضور كبير حاخامي سوريا الثمانيني ميسيم أندابو ، حسب الصحيفة . لكن ، وبعد مضي خمس سنوات على إعدامه ، قامت مجموعة خاصة من المخابرات العسكرية الإسرائيلية بمحاولة نبش جثة كوهين سراً ونقلها إلى إسرائيل.غير أن العملية فشلت ، وعمد السوريون ، إثر ذلك ، إلى نقل جثة كوهين إلى قبو حديدي على عمق 30 متراً تحت الأرض ، يقع على أرض إحدى قطعات النخبة العسكرية ، قد تكون أركان فيلق الدبابات 70 قرب دمشق. وتقول الصحيفة ، أن ليس من مشكلة في إخراج الجثة من هناك ، إذا توفرت الإرادة السياسية في ذلك .

وترى الصحيفة أنه، إذا لم يكن الصحافيون الإسرائيليون يكذبون ( وتعتبر أن مصادرهم ليست موثوقة حتى الآن) ، فإن من المنطقي أن يجري تنظيم تسليم جثة إيلي كوهين في أعياد أيار/مايو ، وذلك ، أولاً ، لأنه سوف يتم افتتاح النصب التذكاري لحصار مدينة ليننغراد، وثانياً ، لأن 18 ايار هو تاريخ وفاته.

وتختتم الصحيفة مقالتها بالقول ، أنهم في إسرائيل يعتبرون إيلي كوهين رجل مخابراتهم الأبرز في كل العصور، وأن ذلك سوف يكون بمثابة إلتفاتة غير مسبوقة بالنسبة إلى تل أبيب.  وتتساءل الصحيفة ما إن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد طلب إيلي كوهين بالذات من فلاديمير بوتين . وتقول بأنه ليس بوسعنا الجزم بذلك ، لكنه لايسعنا النفي أيضاً .

لكن الصحيفة لم تذكر ، أن نتنياهو كان قد وجه، خلال زيارته إلى موسكو في شباط/فبراير الماضي، الدعوة إلى بوتين لزيارة القدس وحضور افتتاح النصب المذكور، وأن الأخير قد قبل الدعوة في حينه ، وما إذا كانت الزيارة المفترضة هذه ، هي أحد أسباب اقتراح  شهر أيار/مايو لإعادة رفات كوهين إلى إسرائيل .

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024