الإرث المجنون لهجمات 11 أيلول

ساطع نور الدين

السبت 2016/09/10

رسالة زعيم تنظيم "القاعدة" ايمن الظواهري في الذكرى الخامسة عشرة لهجمات 11 ايلول على نيويورك وواشنطن، مثيرة للسخرية، برغم ان  أي تقييم موضوعي للحصيلة النهائية البعيدة المدى لتلك الهجمات لا يمكنه أن يناقض حقيقة ان الاميركيين تعرضوا بالفعل لهزيمة ساحقة على يد تنظيم صغير، يكاد يبدو اليوم انه جرت تصفيته من الوجود، برغم ان روحه ما زالت حية.

في الذكرى ال15، هدد الظواهري اميركا بآلاف الهجمات المشابهة ، طالما انها تعتدي على المسلمين في ديارهم الممتدة من افغانستان حتى المغرب  مرورا بفلسطين والشام والعراق واليمن وصولاً الى مصر ، ودعا الاميركيين السود الى الاسلام بوصفه حلاً وحيداً لمشكلاتهم السياسية والاجتماعية،  لكنه أحجم، ربما بدافع التواضع، عن التدخل في معركة الانتخابات الاميركية كما في مرات عديدة سابقة.

التهديد شبه فارغ من المضمون لان صفوف التنظيم فرغت من الاعضاء والمريدين، وتفرعت الى تشكيلات صغيرة متفرقة لا يجمع بينها رابط سوى الفكرة، ولا تتصل بالظواهري وقيادة التنظيم في افغانستان، حتى بالفتوى.. وهي مهتمة بالصراعات المحلية التي إنفجرت في اعقاب الغزو الاميركي لافغانستان، وإن كانت تنتج بعض "الذئاب المنفردة" للقيام بعمليات أمنية في عدد من البلدان الاوروبية الغربية من دون ان تستطيع بلوغ البر الاميركي.

مع ذلك فانه لا يمكن للتنظيم المفكك أن يعلن أنه هزم في تلك المواجهة، مثلما لا يمكن لاميركا المتهالكة ان تزعم انها إنتصرت. الضربات المتبادلة كانت موجعة للطرفين، بل ربما كانت قاضية على أحدهما. فالقوة الاعظم في العالم التي خرجت من الحرب الباردة لتعلن نهاية التاريخ، ها هي الان تخضع لقوانينه التي لا ترحم. لم تعد شرطي العالم ولا مركز إدارته ولا مصدر افكاره ولا محور مخيلته. انطوت داخل حدودها ، لتدشن مرحلة جديدة من العزلة، التي لا تغطيها وحدات عسكرية وامنية تنتشر على جبهات المواجهة فقط لتنظم طريقة الانسحاب  الاميركي من العالم الاسلامي.

الضربة كانت قاسية للتنظيم الذي ما زال يمكنه أن يزعم أن إرثه حاضر في العديد من التشكيلات والشبكات الاسلامية المنتشرة في كل مكان، والتي سرق "داعش" الاضواء منها، لكنه لم يصادر الفكرة ولا جدول الاعمال وان كان قد أساء اليهما، والى سمعة التنظيم التي لا يزال يعتبر قوة عالمية لا يستهان بها.. يقال انها يمكن ان تنهض من جديد على أنقاض الورثة  الحاليين غير الشرعيين.

لكن الضربة كانت مدمرة لأميركا، التي تنسحب تدريجيا من مختلف أنحاء العالم الاسلامي حيث لم يبق لها سوى بعض القواعد العسكرية والامنية التي تنظم غارات جراحية محددة على "القاعدة" وورثته، وها هي تسلم الروس الاشراف التدريجي على البلدان الاسلامية الواحد تلو الاخر، والرعاية السياسية وحتى العقائدية لشؤون المسلمين، كما أوحى مؤتمر غروزني الاخير ، الذي تجاوز خطوطاً حمراء إسلامية، لم يجرؤ الاميركيون أنفسهم  على مسِّها ، حتى في ذروة حملتهم من أجل تنقية النص الاسلامي من مفهوم الجهاد.

لا أسف على الاميركيين طبعاً، ولا على تنظيم القاعدة الذي نشأ وترعرع في أحضانهم قبل ان ينقلب عليهم ، ويتسبب الصراع بينهما بسقوط أعداد لا تحصى من المدنيين الابرياء. ما يؤسف عليه فعلاً هو ان ورثة الجانبين  أسوأ وأخطر منهما بما لا يقاس. فالحرب التي يشنها الروس في سوريا ، والتي تبدو في بعض الاحيان وكأنها ثأر لهزيمتهم القاسية في افغانستان في ثمانينات القرن الماضي، هي أعنف وأشرس من بقية الحروب التي شنتها أميركا على العالم الاسلامي، والتي كانت، برغم وحشيتها،  تخضع لبعض المعايير السياسية وحتى الانسانية المستمدة من تكوين المجتمع الاميركي وحريته ووسائل إعلامه. وكذا الامر بالنسبة الى ورثة القاعدة،  من داعش"و"النصرة" وغيرهما من التشكيلات المشابهة، التي لا تساهم اليوم إلا في إظهار التنظيم المؤسس كياناً ملائكياً.

من حق الظواهري ان يذكِّر، ومن حق أميركا ألا تنسى. لكن ضحاياهما لن يغفروا لهما أبداً ذلك الإرث المجنون.

 

 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024