مسلمو روسيا يتهمون ماكرون

بسام مقداد

الثلاثاء 2020/11/03
لم يتأخر مسلمو روسيا عن الإلتحاق ببقية مسلمي العالم في التعبير عن غضبهم من رسوم كاريكاتور النبي محمد في المطبوعة الفرنسية ، ودفاع الرئيس ماكرون عن حق حرية الكلمة في فرنسا . وتفرد مسلمو روسيا في غضبهم هذا عن بقية الروس ، الذين أعربوا عن تضامنهم مع موقف الرئيس الفرنسي ، وعن حق المطبوعة في نشر الكاريكاتور ، الذي تراه . وكان لافتاً أن يتوافد إلى السفارة الفرنسية في موسكو  ، في الوقت عينه ، روس لوضع الزهور على جدار السفارة الفرنسية ، تحية لذكرى المدرس الفرنسي القتيل على يد مهاجر من أصل شيشاني ، ويتجمع عشرات من المسلمين الروس أمام السفارة للإحتجاج على ما اقدم عليه المدرس من عرض الرسومات على تلامذته،  وعلى اقوال الرئيس الفرنسي بشأن الإسلام ورسومات المطبوعة الفرنسية ، كما ذكرت وكالة "vesti" الإخبارية الروسية .  

الصحيفة الروسية "kommersant" المستقلة ، التي نقلت صورة مظاهرة المسلمين امام السفارة الفرنسية في موسكو، قالت أن بضع عشرات من الشباب تجمعوا للتعبير عن استيائهم من أقوال الرئيس الفرنسي وافعاله ، وتداوروا في الطقس البارد على حمل لافتات كُتبت عليها شعارات : "نحن نحبك يا نبينا"، "ليقتص الله تعالى من كل من يتطاول على شرف نبينا الحبيب" و "إيمانويل ماكرون ــــــ المنافق رقم 1" . المسؤول عن التظاهرة ، قال للصحيفة بأن اللافتة الأخيرة وصفت ماكرون في البداية "الإرهابي" ، كما وصفه مفتي الشيشان صلاح ماجييف ، لكن جميع المطابع ، التي لجأ إليها رفضت طباعة اللافتة . وأشار إلى أنه سيستمر بالمجئ للإحتجاج أمام السفارة الفرنسية ، إلى أن يعتذر ماكرون أمام جميع مسلمي العالم . 

وقال الرجل أنه ضد القتل ، مثل جميع المسلمين ، وأدان فعلة اللاجئ الشيشياني ، وذكر أربعة اسباب تجيز القتل برأيه : الإعتداء على إمرأتك ، على أرضك ، على بيتك ، وإذا منعوك من الصلاة . لكن عرض رسوم الكاريكاتور ليس ضمن أي من هذه الأسباب ، وقال بأنه اختار وسيلة حضارية للتعبير عن رفضه القتل خارج مبرراته تلك . 

البطل الرياضي الروسي المسلم الشهير في المصارعة الحرة للوزن الخفيف حبيب محمدوف ، الذي يتابع حسابه على الإنستغرام 25 مليون شخص ، أدلى بدلوه في غضب المسلمين الروس حيال الحدث الفرنسي ، ووجه على حسابه شتائم مقذعة للرئيس الفرنسي ، أرفقها بصورته  وعلى وجهه آثار كعب حذاء . قال الرياضي "قبح الله تعالى وجه هذا المخلوق وكل أتباعه ، الذين يهينون ، تحت شعار حرية الكلمة ، مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار من المؤمنين المسلمين . أذلهم الله تعالى في هذه الحياة ، وفي الحياة الآخرة  . إن الله سريع الحساب ، وسوف ترون" ، حسب الموقع الروسي "ElitExpert" . 

تعليقات المصارع محمدوف أثارت حفيظة مقدمة البرامج التلفزيونية الشهيرة كسانيا سابتشاك ، المرشحة للرئاسة الروسية في العام 2018 ، وقالت " الإنسان ، الذي يعتبر مثلاً أعلى لأناس كثيرين ، بمن فيهم الأطفال ، يعبر عن أفكاره على هذا النحو . أمر محزن. أحد ما قد يعتبر هذا إشارة لارتكاب الإعتداءات والعنف . فهل حبيب محمدوف مستعد لتحمل المسؤولية" ، حسب صحيفة الكرملين "vz" .

 

وكانت سابتشاك قد صرحت سابقاً ، حسب الصحيفة، بأن الراديكاليين المسلمين توصلوا إلى أن جعلوا الناس "يخشون حتى المزاح" بشأن النبي محمد ، وأثاروا رعب الجميع "بإرهابهم" ، ولهذا "قال ما قاله ماكرون في فرنسا المعاصرة نصف المسلمة ، إنه بطلي" . وأفادت سابتشاك لاحقاً أنها تلقت تهديدات بقطع رأسها لتأييدها للزعيم الفرنسي.

وكالة نوفوستي قالت ، بأن مسلمي روسيا أدانوا مقتل المدرس الفرنسي ، الذي عرض رسوم الكاريكاتير للنبي محمد ، لكنهم ، في الوقت عينه ، وصفوا عمله بأنه إستفزازي ومهين للمسلمين . ونقلت عن النائب الأول للهيئة الروحية لإدارة شؤون مسلمي روسيا ، وعميد جامعة موسكو الإسلامية دمير محي الدينوف قوله ، بأن الأشخاص ، الذين يرتكبون مثل هذه الإستفزازات ، عليهم أن يدركوا ، بأنهم لا يهينون مشاعر المؤمنين فحسب ، بل ويعرضون أمنهم لمخاطر كبيرة ، ويثيرون بذلك النزاع في دولتهم ومجتمعهم . ورفض محي الدينوف التصديق ، بان التشريع الفرنسي يجيز السخرية من كل شئ ، لأن ثمة "موضوعات تابو كثيرة جداً" ، مثل السامية ومسألة المثليين والمتحولين( LGBT) ، من دون أن يوضح مشكلة السامية والمثليين في فرنسا.  

موقف الكرملين من الحدث الفرنسي عكسه مدير البرامج في نادي "فالداي" للحوار التابع للكرملين ، تيموفي بارداتشوف، بنص في صحيفة الكرملين بعنوان"الحرب الزائفة الغريبة لأوروبا"في 31 الشهر المنصرم . يقول الكاتب ، بأن المشكلة ، التي تواجه الغرب وفرنسا ، هي بالنسبة لموسكو ، حتى الآن ، مشكلة في معسكر العدو المحتمل . وقال أن روسيا ، التي خاضت في تاريخها المعاصر تجربة الراديكالية الدينية ، لا يمكنها أن تبقى لا مبالية حيال مظاهرها في البلدان الأخرى . لذلك دعم رأس الدولة الروسية زميله الفرنسي ، على الرغم من الخلافات الجيوإستراتيجية بين موسكو وباريس .

من جانب آخر ، الجو العام بين الكتاب السياسيين والمحللين الروس ، يدعو الرئيس والقيادات الفرنسية إلى التشدد مع الإرهابيين ، ويحذر من مغبة التساهل والحوار معهم ، كما جاء عل لسان خبير في المجلس الروسي للعلاقات الخارجية في حديث له لموقع "Lenta.ru" الروسي .

لكن التعليقات الأكثر إثارة للإعتراضات من جانب السياسيين الروس ، والأكثر اتساقاً مع حملة تهجمات المسلمين الروس على الرئيس والقيادات الفرنسية ، جاءت على لسان الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف . فقد نقل عنه موقع "kavkaz.ru" تهديده للرئيس الفرنسي بعواقب التطاول على الإسلام  ، وأدان تصريحه بشأن خلق "إسلام مستنير" في فرنسا . وقال أنه ليس لدى القيادة الفرنسية الشجاعة للإعتراف ، بأن السخرية من ديانة الآخرين ، هي التي تسببت في المصير المأساوي للمدرس ، وكذلك محاولة رفعه إلى مصاف الأبطال القوميين ، على خلفية الإتهام بالإرهاب للشخص ، الذي استفزه بعرض رسومات الكاريكاتير.

 وتوجه قاديروف إلى الرئيس الفرنسي بالقول :" إذا كنت يا ماكرون تسميه (الشيشاني القاتل) إرهابياً ، فأنت أسوأ منه بمئة مرة ، فأنت تجبر الناس على الإرهاب وتدفعهم إليه ، من دون أن تترك لهم خياراً ، وتخلق جميع الظروف لزرع الأفكار الاصولية في رؤوس الشبيبة. بوسعك بكل شجاعة ، أن تسمي نفسك زعيم الإرهاب في بلدك وملهمه " . وقال قاديروف ، أنه بعد مثل هذه الإستفزازات ، على القيادة الفرنسية أن تكون مستعدة ، وألا تشك في أن "مسلمي العالم أجمع لن يسمحوا بإهانة إسم النبي محمد العظيم" . 

تهجمات قاديروف على الرئيس الفرنسي واتهامه بأنه "ملهم الإرهاب" ، أثارت حفيظة سياسيين وناشطين روس ، فردت عليه كسانيا سابتشاك ، وتلقت إثر ذلك تهديدات بالقتل هي وأسرتها ، وثار سجال حاد مع زعيم "حزب روسيا الديموقراطي الليبرالي" فلاديمير جيرينوفسكي . واضطر الكرملين للرد عليه ، فنقل موقع "znak" عن الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف تصريحه ، بأن التشريع الروسي يمنح رئيس الدولة حصراً حق وضع السياسة الخارجية لروسيا ، ويمنع على مسؤولي وحدات الإتحاد التعاطي بشؤون هذه السياسة. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024