هل يُخيّب السودان آمال روسيا؟

مهند الحاج علي

الإثنين 2020/11/23
"قاعدتنا في السودان ستُمثل حُجة جديدة لإقناع الآخرين بسماعنا والامتثال"، هكذا فسر مقال رأي في وكالة "تاس" الروسية طلب الرئيس فلاديمير بوتين من وزارة الدفاع الروسية توقيع اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان على البحر الأحمر.

إعلان نية انشاء هذه القاعدة في قرار لبوتين شغل الصحافة الروسية خلال الأسبوع الماضي، ذلك أن حصول موسكو على موطئ قدم في البحر الأحمر يعني الكثير لمن يطمح الى لعب دور القوة العظمى، إلى جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو. ولهذا التوسع، لو حصل طبعاً، انعكاسات على شعبية الرئيس الروسي ومكانته في الداخل في ظل تراكم الخيبات الاقتصادية.

لكن على هامش الإعلان، من المفيد تسجيل ملاحظتين أساسيتين:

أولاً، لا يعني الإعلان الروسي، أن القاعدة ستُقام وأن المسألة حُسمت. بيد أن السودان ما زال يُشير الى أن المسألة قيد البحث، والأرجح أن الخرطوم تنوي استخدام هذه الورقة في مفاوضاتها مع القوى الغربية المتلكئة في المساعدة لإخراج هذا البلد من محنته الاقتصادية. رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة السودانية الفريق محمد عثمان الحسين ألمح لذلك من خلال تأكيده في تصريح اعلامي عدم وجود اتفاق كامل مع روسيا على انشاء القاعدة "رغم التعاون مع البلدين". والاعلان الروسي غير المكتمل، رغم الاحتفالية به في الاعلام، يُذكّر بطلب الرئيس السابق دمتري ميدفيديف من وزارة الدفاع الروسية توقيع اتفاق التعاون العسكري الروسي اللبناني الذي يتيح لموسكو استخدام القواعد العسكرية اللبنانية. مرت سنوات على التوقيع الروسي، والجانب اللبناني لم يتحرك، نظراً للضغوط الأميركية في هذا المجال. 

والسودان استثمر كثيراً في رفع إسمه عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودفع تعويضات لضحايا أعمال إرهابية كان الدور السوداني فيها محدوداً إن لم يكن معدوماً. كما وافق على تطبيع العلاقات مع إسرائيل بهدف رفع اسم السودان عن القائمة الأميركية، والتمهيد لاستثمارات ومساعدات خارجية. لذا من غير المنطقي أن يُخاطر السودان باستضافة القاعدة الروسية وإثارة حنق الولايات المتحدة وأوروبا، بل الأرجح استخدام هذه الورقة، وموقتاً، للتفاوض على سلة دعم للخروج من الأزمة الاقتصادية. والتراجع السوداني المرتقب في هذا الأمر، سينال من سمعة روسيا ورئيسها، وسيُمثل خيبة كبرى للسياسة الروسية في المنطقة.

ثانياً، يُمثّل الإعلان الروسي إشارة أخرى الى اعتبار الشرق الأوسط ملعباً لطموحات موسكو. في مخيلة الرئيس الروسي، منطقتنا ملعب لمواجهة الولايات المتحدة أو تركيا أو أي طرف آخر ترغب موسكو في مبارزته. لروسيا اليوم دور في ليبيا وفي السودان وفي سوريا وفي لبنان، وربما لاحقاً في الجزائر والمغرب. القوات الروسية موجودة على ضفاف البحر المتوسط، وترغب في إيجاد موطئ قدم لها على البحر الأحمر وربما أيضاً في الخليج.

سياق الطموحات الروسية مهم هنا لأن أي توسع سيجلب معه اهتماماً أميركياً وأوروبياً مضاداً، بما يُتيح تحويل المنطقة الى ساحة لتصفية حسابات وتسجيل نقاط وربما أيضاً تمرير رسائل. بيد أن توقيت الإعلان الروسي على ارتباط بالإدارة الأميركية المقبلة واحتمالات انتهاجها سياسة أكثر صدامية مع موسكو، بعد اتهامها بالتلاعب بالرأي العام الأميركي ودعم معسكر الرئيس الحالي دونالد ترامب. تريد موسكو توجيه رسالة على أنها خصم لا يُمكن حصره بمنطقة محددة.

وطالما هذه المنطقة مفتتة ولا قُدرة لديها على التعاون لحماية نفسها من التدخلات الخارجية، لا مناص من أن يراها العالم والقوى الطموحة فيه، مرآباً للقواعد العسكرية والحروب العبثية اللامتناهية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024