عن مزحة اسمها الإصلاح القضائي

مهند الحاج علي

الإثنين 2021/02/22
على رأس قائمة المطالب التغييرية اليوم هي عملية إصلاح القضاء، والتي ارتفع الاهتمام فيها على وقع انفجار المرفأ والتحقيق البطيء فيه.

كيف يتحرر الجهاز القضائي اللبناني من النفوذ السياسي، ويصير مستقلاً تماماً عن السلطة التنفيذية وأركانها، أي زعماء الطوائف؟

هذا السؤال الجوهري هنا ليس وليد هذه الحقبة السياسية على الاطلاق. بل كان مطروحاً في السياسة اللبنانية في مرحلة ما بعد الاستقلال، إذ ارتبط بعملية مكافحة الفساد، وتحديداً السياسيين الفاسدين وأقربائهم. والصعوبة في تقديم أي انجاز في هذا المجال، تنسحب على مراحل السلم في لبنان أيضاً، إذ وعد الرئيس شارل الحلو بتحقيق تقدم على هذا الصعيد، ولم ينجح في ذلك.

وفي صلب المطالبة باستقلالية القضاء، نظرياً، حفظ الحرية وحقوق المواطنين في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية (وبينهما أيضاً). ذاك أن استئثار السلطة التنفيذية بالقضاء يُحوله الى امتداد لنفوذهم، إما ضد الخصوم، أو لضبط الفضاء العام من خلال ترهيب المواطنين والاعلام والكتاب. لكن هذا النموذج غير قائم في منطقتنا، وهذا ربما عامل مشجع على تغيير معاكس، لأخذ القضاء الى الموقع النقيض، على الطريقة الشمولية. وما نشهده على مدى السنوات الماضية من اسراع في التحقيق والحكم في مواجهة خصوم السلطة، في مقابل تباطؤ في جرائم كبرى اتُهم فيها أهل السلطة، دليل على وجهة مسار هذه المؤسسة. القضاء والامن ينقضان على الإعلاميين والناشطين بمنهجية، مثل آلة الحرب الألمانية، في حين ينحرف المسار في قضايا مهمة مثل انفجار المرفأ وقضايا الفساد الكبرى في البلاد. بكلام آخر، لا تنفصل هذه السلطة عن مسار السياسة وتوجيهاتها.

الأساسي في مطالب الإصلاح هو انهاء التعيينات السياسية-الطائفية. تعيينات أجهزة الأمن والقضاء سيّان في أنهما يخضعان الى الآلية الطائفية-السياسية ذاتها، وتُوزع كقطع الكعكة على المسؤولين وفقاً لحُصص الطائفة. إذا كان مسار الترقية والتعيين في أي مؤسسة، مرتبطاً بشكل جذري بالسياسي، فكيف يستطيع هذا الموظف الحكومي، أكان ضابطاً أم قاضياً، الحفاظ على استقلالية عمله في ظل عملية سياسية مشحونة بالمناكفات والصراعات (الإقليمية والمحلية) وأيضاً الفساد المستشري والمحسوبيات.

المسألة الثانية في الإصلاح القضائي على ارتباط تناوله في الاعلام، ذلك أن القضاة والقضاء من المحرمات على الناس. هي سلطة أعلى من النقد وتوجيه الاتهام. وفي حال وجه صحافي أو إعلامي أي اتهام بالفساد الى قاضي أو قاضية، يُواجه حُكماً بالسجن قد يصل الى سنتين مع غرامة مالية أيضاً. طبعاً هذا لا ينسحب (سوى نظرياً) على السياسيين الكبار والأبواق الإعلامية المحسوبة عليهم. كيف بالإمكان اصلاح مؤسسة وضمان استقلاليتها وشفافيتها، في حين من الممنوع توجيه نقد اليها؟ ثم أليست هذه العقوبة القاسية والغرامة المرافقة لها، متناقضة مع هدف استقلالية القضاء؟ لماذا تكون مؤسسة يُعين السياسيون أركانها، ويتدخلون في عملها، مُحرّمة على النقد، سوى أنها مثلها مثل الأمن حُصن حصين لأباطرة الطوائف؟ 

هذا الواقع لا ينفي وجود قضاة مستقلين، وهم متوافرون، لكن العين لا تُقاوم المخرز. والواقع الرديء لهذه المؤسسة المهمة، يفيد به كلام بعض المسؤولين فيه بعد مغادرتهم الوظيفة العامة. على سبيل المثال، سبق أن دعا الرئيس الأول لمحكمة التمييز والرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي أنطوان خير، في كلمة له السياسيين الى رفع أيديهم عن القضاء و"اتركوه يتخلص من أوحال السياسات الصغيرة ومحاولي إبقائه تابعاً ذليلاً لأهل السياسة". هذا الاعتراف بالتبعية لأهل السياسة، ضروري، لرفع الوهم في أحاديث إصلاح القضاء.

لا إصلاح في القضاء إلا بعد رفع التعيينات، وإلغاء نظام يرتبط فيه التقدم في الوظيفة والحماية فيها، بالعلاقة بعرّاب الطائفة في عالم السياسة، وأيضاً بتشريع نقض هذه المؤسسة وتوجيه الاتهامات لها. من الصعب في ظل هذا الوضع أن تكون هناك أي ثقة سلفاً في أي تحقيق يستهدف السياسيين وتورطهم في جرائم بحجم تفجير المرفأ. ذاك أن أي تجرؤ على السياسيين في عالم القضاء، هو بمثابة عمل يجمع بين البطولة والتهور، وعلى من يُقدم عليه أن يُواجه عواقب مهنية وربما أمنية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024