تركيا: ضريبة "إس-400"

عائشة كربات

الثلاثاء 2019/06/11
لحظة الحقيقة بالنسبة لتركيا حانت. وزير الدفاع الأميركي بالإنابة باتريك شاناهان وفي رسالة بعث بها الأسبوع الماضي إلى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، طرح السؤال المتوقع: نحن أم الروس؟ اختر موقعك.
لم يقل شاناهان هذه الكلمات بالضبط، لكن في رسالته، أكد أن البنتاغون سينهي تعاونه مع تركيا بشأن برنامج المقاتلات "إف-35" وستفرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا إذا أصرت على شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400".
وقد أعطى مهلة لذلك: 31 تموز/يوليو. ابتداءً من ذلك اليوم، سيتم إيقاف تدريب الطيارين الأتراك على "إف-35". إذا وصلت "إس-400" قبل ذلك اليوم، فستبدأ العقوبات ضد تركيا في وقت مبكر.
في الواقع، تريد تركيا اختيار شريكها في "الناتو"، الولايات المتحدة، على الرغم من جميع المشاكل الأخرى بين البلدين. ومع ذلك، في هذه اللعبة الدبلوماسية المتمثلة في إقامة توازن بين القوتين العظميين ومحاولة فتح مساحة مناورة لنفسها بينهما، خاصة في سوريا، ربما ذهبت أبعد مما كان مخططًا له في البداية. لن يكون من السهل العودة.
تقول أنقرة مراراً وتكراراً إن "إس-400" عبارة عن صفقة منتهية وإنها ستفي بوعدها لروسيا. إنها ترفض أيضاً حجج الولايات المتحدة التي تزعم أنه إذا تم نشر "إس-400" و"إف-35" في البلد نفسه، فإن المنظومة الروسية سوف تتعلم كل أسرار المقاتلة الأميركية. لا تشتري أنقرة هذه الحجة وتقترح إنشاء لجنة مشتركة تعمل على هذه القضية لمعرفة ما إذا كانت الحجة صحيحة. لكن حتى الآن، لم تحصل على إجابة واضحة على اقتراح اللجنة المشتركة.
إضافة إلى ذلك، يقول المسؤولون غير الرسميين في أنقرة إن السبب الحقيقي وراء هذه الأزمة هو إسرائيل التي لا تريد أن تمتلك تركيا طائرات من طراز "إف-35"، خاصة في وقت يزداد النزاع حول موارد الغاز الطبيعي في البحر المتوسط حدةً كل يوم. هناك تسريبات إخبارية تقول إن منظومة "إس-400" إذا وصلت إلى تركيا، فستتمركز في منطقة البحر المتوسط.
في الواقع، كان من الصعب تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة جادة في إبعاد أنقرة عن برنامج "إف-35" لأن بعض أجزاء هذه الطائرات يتم إنتاجها في تركيا، وإبعاد تركيا من البرنامج ستكلف الولايات المتحدة الكثير أيضاً. لدى أنقرة أيضاً هذه الفكرة القادرة على إقناع الرئيس دونالد ترامب بإيجاد حل لكن البنتاغون يمنعه.
كان من الصعب أيضاً تحديد ما إذا كانت تركيا جادة في شراء "إس-400". إنه احتمال أن كل جانب يسعى من أجل صفقة كاملة، بما في ذلك حلول للعلاقات الثنائية الأخرى.
إن الروس الذين يحصلون على الكثير من الفوائد من الخلافات بين الولايات المتحدة وتركيا حتى الآن، سوف يتخذون موقفهم وفقاً لقرار تركيا.
حتى الآن قاموا بعمل جيد للغاية. طلبوا من تركيا أن تتحمل مسؤولية تنظيف منطقة إدلب مما وصفوه بالراديكاليين، وهي مهمة مستحيلة انتهت مع ما نشهده هذه الأيام. يمهّد التعاون بين أنقرة وموسكو الطريق لتشكيل لجنة دستورية لمستقبل سوريا وفقًا لرغبات روسيا. في العلاقات الثنائية، يحصل الروس على بعض التنازلات من تركيا أيضاً.
دعونا نتخيل أن أنقرة، على الرغم من ضغوط موسكو، فضلت المصالحة مع الولايات المتحدة وتخلت عن شراء "إس-400". في هذه الحالة، لن يكون هناك سببٌ يمنع الروس من مهاجمة إدلب بالقوة الكاملة.
لكن لنتخيل أيضاً أن تركيا لم تتخلَ عن شراء "إس-400" وبسبب عقوبات الولايات المتحدة سوف تضطر إلى الاقتراب أكثر من روسيا. بالنسبة لموسكو، لن يكون هناك سبب لمنع النظام من مهاجمة إدلب بالقوة الكاملة لأن عدم إزعاج أنقرة لن يكون أمراً مهماً بعد الآن. ومع ذلك، قد يسمح لأنقرة بإنشاء نوع من المنطقة العازلة الصغيرة في شمال إدلب لإدارة التدفق الجديد للاجئين.
باختصار، بهذه الطريقة أو بتلك، سيدفع سكان إدلب ثمن جرائم الآخرين وأخطائهم، ما لم يتم تنفيذ صفقة خلاقة وكاملة بين القوى الإقليمية والعالمية، ليس من أجل طموحاتهم ولكن من أجل سلام الشعب.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024