المؤشر العربي..والتوضيح اللبناني

ساطع نور الدين

الخميس 2020/10/08
تحدى المؤشر العربي في نسخته السابعة الصادرة قبل يومين عن المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات في الدوحة، جائحة كورونا ، عندما أرسل 900 باحث وباحثة، ليجوبوا مسافات وصلت الى 820 الف كيلومتر، في الفترة من تشرين الثاني نوفمبر 2019 الى تموز يوليو 2020، وليحصلوا على أجوبة مباشرة من عينة  تبلغ 28 الف مواطن /ة عربي من 13 بلداً عربياً، في أضخم مشروع مسحي من نوعه يجري في المنطقة العربية.

من السهل التكهن لمن كانت الغلبة في هذا التحدي، التي قد تتحول في نسخة العام المقبل من المؤشر الى عنوان منفصل لمحور خاص، يدرس إنتشار الجائحة في العالم العربي وردود أفعال الحكومات والمجتمعات والافراد، ويخلص الى تقييم علمي دقيق لما يمكن، أو يجب أن يتخذ من خطوات فردية وجمعية، لمواجهة ذلك الوباء الذي أدخل تعديلات جوهرية على السلوك البشري في مختلف أنحاء الكرة الارضية.

النسخة السابعة من المؤشر، التي صدرت في هذا الجو الوبائي الخطر، شكل آخر من التحدي، مفاده ان قيمة أي إستطلاع للرأي هي في دوامه وإنتظامه، مهما كان الظرف صعباً، وهي أيضا في إرتقائه الى مؤسسة قائمة بحد ذاتها، تعتمد كمرجع علمي محكّم، يتم إنتظار مؤشراته الدورية، لقراءتها وتحليل محتواها وإستخدامه في أي بحث علمي للشأن العربي العام على إختلاف أولوياته وهمومه.

أما "عروبة" المؤشر فهي لم تكن في الاصل تحدياً، بل كانت قراراً وتقليداً وشرطاً لازماً. عبور أو حتى القفز فوق الحدود العربية، في فترة إنغلاقها، وإنسداد أفقها، وإرتفاع الحواجز على معابرها، يكاد يعادل وحده إنتصاراً في معركة ثقافية مفتوحة، بين العرب أنفسهم ، كما بينهم وبين بقية دول العالم الكبرى، التي يضيء المؤشر بشكل مباشر ودقيق على تقييم المواطن العربي، لسياسات تلك الدول، ولإنماط ومراتب العداء لها. وينتهي الى إستنتاجات لافتة، للموقف العربي من إسرائيل والولايات المتحدة، والخط الفاصل بين ترتيبهما وأرقامهما ( تراجع العداء لا يسير على وتيرة واحدة)، وللمستجد بالنسبة الى إيران والعداء المتزايد لها، وكذا بالنسبة الى تركيا وفرنسا وروسيا.. من دون أن تربط الاسئلة  والاجوبة، بالقضية الفلسطينية حصراً، طالما أنه صارت هناك عناوين إضافية مهمة لتقييم مؤشرات الراي العام العربي.  

في المحاور المتعددة للمؤشر، مقاربة منتظمة لمسائل الحرية والديموقراطية والاعلام والفساد وغيرها من عناوين الهمّ العربي العام، تنتهي الى إستنتاجات لا يمكن فهم أهميتها إلا إذا ما قورنت بالسنوات أو بالاحرى بالنسخ الست الماضية من المؤشر. وهذا المقارنة التي كانت في السابق مهمة شاقة، ومحصورة بالباحثين والمتخصصين، صارت متوافرة في نهاية كل محور، وما على القارىء العادي إلا ان يستخلص النتيجة لوحده  ويبني عليها الموقف الذي يشاء.

حصة لبنان في المؤشر متواضعة، ومعادلة لثلاث دول عربية أخرى شهدت في الاشهر ال12 الماضية، إضطرابات سياسية وإقتصادية وإجتماعية كبرى، هي العراق والسودان والجزائر. هنا يبدو أن تواضع الاهتمام يختصر الكثير من الاسئلة الكبرى التي طرحت أولا على شعوب الدول الاربع، ثم على بقية الجمهور العربي: ما هي حصيلة هذه الاضطرابات، أو الحراكات، التي جاز في بعضها القول أنها ثورات. وهنا أيضا، يسود قدر من التحفظ في الاستفسار وفي التقييم النهائي، ربما لان المحصلة في الدول الاربع كانت مخيبة للأمال، وهي تشبه الى حد بعيد، أو تختزل الخلاصة العامة للربيع العربي الذي ما زال حاضرا في المؤشر، للذكرى.. وهو ما لا يقلل من أهمية تحديد نسب المشاركة في تلك الثورات المفترضة، والتأييد الشعبي لها في الدول الاربع، حيث حلّ لبنان في المرتبة الاخيرة ، لكن بمعدل تأييد مرتفع للثورة بلغ 67 بالمئة، بالمقارنة مع معدل المشاركة المتواضع فيها. وهذا تقدير يتطلب التوضيح الفوري بان تلك الثورة اللبنانية إقتصرت على أسبوعين فقط، بعدما تحولت الى إحتجاجات وإعتصامات لم يزد عدد المشاركين فيها على المئات، من أصل نحو مليوني متظاهر غطوا شوارع المدن اللبنانية الرئيسية في 19 و20 تشرين الاول أوكتوبر العام 2019.

يبقى أن ما راكمه المؤشر في النسخ السبع المتتالية، يثبت إعلانه مؤسسة ومرجعاً، ومحوراً دائماً للنقاش.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024