من يعبث بأمن لبنان؟

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/07/19

ليس في لبنان اليوم الكثير من البنية المحلية للتعويل عليها. نمو الاقتصاد صفري، ولا يلوح في الأفق، أمل بتغيير جذري، سيما بعد الاصلاحات الشكلية وغير الكافية في الموازنة. هذا الوضع وحده كفيل بتهديد البلاد، ويتطلب تكاتفاً ووعياً من الطبقة السياسية للانتقال بالبلاد من مرحلة الخطر. 

لكن ما يحصل هو العكس تماماً. نشهد في لبنان محاولة لضرب آخر معاقل الاستقرار: الأمن. وهذه المحاولة المريبة تجري على مستويين، أهلي من خلال توتير العلاقة بين الطوائف، وأيضاً من خلال حراك أمني تتكشف فصوله تباعاً. 

أهلياً، بالإمكان رسم خط متصل من اجراءات بلدية الحدث لمنع المسلمين من شراء العقارات فيها، ثم التوتر في الجبل وحادثة قبرشمون، والتضييق على اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وانتهاء بما تردد عن بيانات مذهبية وُزعت في البقاع والشمال.

ليس وقوع كل هذه الحوادث في اطار سلسلة متكاملة، صُدفة. ويزيد من الشك في وجود أياد خفية خلف هذه الأحداث، أن هناك نشاطاً أمنياً سورياً ملحوظاً، يُرافق التصعيد المحلي، ويُغني على مواله. كانت البداية في أيار (مايو) الماضي، عندما توغل الجيش السوري في الداخل اللبناني، وقتل الجندي المتقاعد حسين الحجيري وخطف رفيقيه وسام كرنبي ونايف رايد لأيام.

بعد هذه الحادثة بأيام فقط، وقع اغتيال في منطقة شبعا كان ضحيته مسؤول العلاقات العامة للجماعة الاسلامية في المنطقة الشيخ محمد جرار (46 عاماً). تكمن أهمية جرار في ادارته ملفاً حساساً هو العلاقة مع اللاجئين السوريين، وأغلبهم من سكان المناطق الحدودية المجاورة، ممن يُحاول النظام السوري إخضاعهم بالقوة عبر موجات العودة القسرية.

هذا الحراك الأمني يطرح أسئلة عديدة لا تقتصر فقط على الدور السوري المباشر فيها. على سبيل المثال، أليس غريباً أن يستورد لبنان وفي هذه اللحظة الحساسة أمنياً، زعماء الجريمة من ألمانيا؟ وزير الداخلية في بريمن أندرياس غايزل زار بيروت واتفق سراً مع الجانب اللبناني على ترحيل قيادات في المافيا بعد اصدار جوازات لبنانية لهم، رغم أنهم غادروا لبنان قبل عشرين عاماً، وليست لديهم أوراق ثبوتية وفقاً للسلطات الألمانية. أحدهم (إ. م.) عاد الى بيروت قبل أسبوعين بعد اعتقاله وتفكيك شبكته وفيها الآلاف. الاعلام الألماني يتساءل اليوم كيف يعود قائد مافيا أرعب شمال غربي ألمانيا لسنوات، الى بيروت ويخرج من التحقيق حراً. لكن هنا في لبنان لا يطرح أحد سؤالاً أو استفساراً عن ماهية الصفقة مع ألمانياً ومن تشمل. هل يحتاج لبنان إلى قادة مافيا جدد؟ ولماذا إتمام هذه العودة اليوم ولأي غرض؟

بما تُذكرنا هذه الحوادث؟

ربما من المفيد إعادة عقارب الساعة الى الوراء سبع سنوات، حين وضعت المخابرات السورية بقيادة رئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك، خطة للإطاحة بالأمن في لبنان، وإثارة نزاعات أهلية. 

كان في قلب المهمة الأمنية السورية حينها، مخططان أُحبط أحدهما بحبكة أمنية محترفة لفرع المعلومات بقيادة اللواء وسام الحسن. في آب (اغسطس) من عام 2012، اعتقل فرع المعلومات الوزير السابق ميشال سماحة الذي اعترف لاحقاً بنقل عبوات ناسفة بهدف اغتيال بعض الشخصيات ذات الثقل المحلي، وضرب السلم الأهلي. لم يُوقف الاعتقال، الاستهدافات الأمنية في الداخل اللبناني، لكنه كشف النوايا للرأي العام رغماً عن بنية اعلامية-سياسية تنشط اثر كل تفجير للتضليل عن المرتكب واخفاء آثاره. بعد شهور قليلة، وتحديداً في تشرين الأول (اكتوبر) من ذلك العام، اغتيل الحسن في تفجير. ثم وقع بعد أقل من سنة تفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس وأودى بعشرات القتلى والجرحى.

الفارق ربما بين ذاك المسلسل الأسدي الدموي حينها، وبين اليوم، أن هناك لاعباً دولياً كبيراً دخل الساحة هو روسيا. والروس يُقاربون الملف اللبناني بشكل مختلف، ولديهم شبكة علاقات أكثر تعقيداً وذكاء أيضاً من النظام السوري الذي يتحرك من خلال الأزلام فحسب. 

من هنا يجب قراءة اهتمام الوزير السابق وليد جنبلاط بترتيب زيارة الى موسكو ولقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ربما عُدنا الى زمن التوتر الأمني وباتت الضمانات الاقليمية ضرورة للنجاة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024