روسيا في مياه الخليج العكرة

بسام مقداد

الأربعاء 2019/05/15
أزمة الخليج المتفجرة بين إيران والولايات المتحدة كانت من بين الأسباب العديدة ، التي وقفت وراء الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي إلى روسيا . ورحب إعلام الكرملين بحرارة بهذه الزيارة ، التي أعقبت الإتصال الهاتفي ، مطلع الشهر الجاري، بين الرئيسين الروسي والأميركي ، واعتبر أن الهدف الحقيقي للزيارة هو ترتيب لقاء قمة روسي أميركي ، "لكي يتمكن أخيراً ترامب وبوتين من التحدث بشكل طبيعي" . ولم يتوقف هذا الإعلام كثيراً عند إلغاء بومبيو زيارته إلى موسكو واختصارها من يومين إلى يوم واحد ، وبرر ذلك باضطرار بومبيو للقاء الأوروبيين في بروكسل من اجل إقناعهم بالإنضمام إلى الولايات المتحدة في ضغطها على إيران، وهي المهمة "غير الشريفة والمستحيلة" ، على قول صحيفة الكرملين "VZ". وفي جميع الأحوال كان اليوم الأول من الزيارة سيخصص لاجتماع بومبيو بدبلوماسيي سفارته في موسكو ، ووضع الأكاليل على ضريح الجندي الروسي المجهول، واحتمال لقائه مع المعارضين الروس ، وهو ما يمكن تأجيلة للزيارة الثانية "إن تمت"، على قول الصحيفة. وهي ترى أن الزيارة مؤشر لانفراج نسبي في العلاقات الروسية الأميركية، لكن أي تحسن ، مهما كان بسيطاً ، يشكل برأي الصحيفة ، خرقاً هائلا بالمقارنة مع الجليد ، الذي يسيطر راهناً على هذه العلاقات .

والخرق ، الذي تأمل به الصحيفة ، لن يكون ، برأيها، في توافقات محددة في الموضوعات الخلافية بين موسكو وواشنطن ، بل في مجرد تجديد اللقاءات الدورية بين الطرفين . وترى أن على الكرملين الموافقة على الطلب الأميركي بعقد لقاء جديد ، ليس بالضرورة أن يتم في اليابان على هامش لقاء مجموعة العشرين "G-20" ، بل يمكن أن يتم في بلد ثالث ، او في الشرق الأقصى الروسي.

لكن ترحيب صحيفة الكرملين بزيارة بومبيو ، وما تحمله من آمال بانفراج في العلاقات الأميركية الروسية، واستئناف اللقاءات الدورية على مستوى القمة، لا يتقاسمه معها القوميون الروس المعارضون للنظام من داخله، والمتشددون في انتقاد أي انفراج مع الغرب. فقد رأى الموقع الناطق باسمهم "SP" في مقالة نشرت يوم الزيارة عينه في 14 من الجاري ، أن زيارة بومبيو إلى سوتشي ، واجتماعه في بروكسل مع وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي، تتمحور حول إيران في "لعبة بوكر سياسية كبرى" بدأتها الولايات المتحدة . ويتساءل الموقع عما يمكن أن تربحه روسيا في هذه اللعبة ، ويقول بأن بومبيو بوسعه أن يقترح على بوتين صفقة تقتضي بقيام روسيا بإقناع إيران بعدم توجيه ضربات إلى إسرائيل ، مقابل إطلاق الولايات المتحدة يد روسيا في سوريا . كما من المحتمل ان يناقش بومبيو مع بوتين الإعداد للقاء رسمي مع ترامب في أوساكا اليابانية على هامش لقاء مجموعة العشرين .

وينقل الموقع عن كبير خبراء مركز الأبحاث العسكرية السياسية في معهد الدبلوماسية الروسي ميخائيل ألكسندروف قوله ، بأن الهدف الرئيسي لزيارة بومبيو إلى روسيا هو مناقشة إيران ، أما الحديث الذي يمكن أن يتطرق إلى كل من سوريا وفنزويلا وأوكرانيا، فهو ليس سوى دخان للتعمية . وكأن الأميركيين "يرمون عظمة لروسيا" ويقولون لها بأنهم مستعدون لمناقشة المسائل الأخرى غير إيران ، برأي ألكسندروف . الأميركيون يعرفون ، أن موسكو ترفض أن تكون إيران موضوعاً مستقلاً للنقاش من دون حضورها بنفسها ، كبلد ثالت مستقل في اتخاذ القرارات ، تماماً كما في حال الصين ، التي يحاول الأميركيون التحدث عنها مع روسيا من وراء ظهرها، حسب ألكسندروف .

ويرى الرجل أن ليس على روسيا الخضوع لابتزاز الولايات المتحدة بالتهديد بشن عملية عسكرية ضد إيران ، "فإذا ما كان الأميركيون يريدون القيام بعملية عسكرية، فليقوموا بها" . وعلى عكس الإنفراج ، الذي تأمل به صحيفة الكرملين، يرى الكسندروف أن الوضع الراهن في العالم يفترض حدوث أزمة سياسية كبرى مشابهة لأزمة الكاريبي العام 1962، من شأنها أن تبدل المشهد الدولي.  فالولايات االمتحدة يجب أن تتلقى ضربة ، وليس المهم أين ، سواء كان ذلك في كوريا الشمالية أو إيران أو روسيا ، إلا أن المهم أن تتلقى ضربة، برأيه .

الأميركيون ، برأيه، يخادعون حين يتحدثون عن استخدام القوة العسكرية ضد إيران ، فهم ، وإن كان بوسعهم اللجوء إلى استخدام ما لهذه القوة ، إلا أنهم سوف يتلقون الرد المناسب ، وسوف تختفي حينها صورة الإمبراطورية ، التي تضغط على العالم بأسره ، وتتشظى القوة الدولية للولايات المتحدة ، ويختفي العالم أحادي القطب.

ويسترسل كبير خبراء الإبحاث السياسية العسكرية في معهد الديبلوماسية الروسية هذا في محاكماته ، التي تحاكي أحلام اليقظة ، ويقول بأن سقوط أميركا هذا يمثل لحظة تاريخية فائقة الأهمية ، وليس على روسيا أن تغازل أميركا في هذا الوقت، بل عليها المساعدة في تسريع سقوط هذه الإمبراطورية. ويؤكد الرجل  أن روسيا والصين سوف تسارعان لمساعدة إيران في حال قرر الأميركيون خوض الحرب مع إيران ، إلا أنهم محكومون بالهزيمة فيها وانفضاح خداعهم .

إلا أن ألكسندروف يخشى من قوة اللوبي الإسرائيلي في روسيا ، والذي يمكن أن يدفع الكرملين إلى خيانة إيران، ويدعو المجتمع الروسي إلى البقاء متيقظاً لمثل هذا الإحتمال . ويؤكد بأنه لا يمكن ابداً الركون إلى السلطات الروسية، إذ بوسعها دوماً فبركة حيلة ما ضد مصالح بلدها . وإذ يذكر هذه السلطات بإسقاطها الإتحاد السوفياتي وخيانة جميع الحلفاء، يقول بان ثمة لحظات عديدة لا تسمح بالركون إلى ثبات السلطات الروسية ، وينبغي الإنتباه جيداُ إلى ما تزمع القيام به حيال إيران ، " هل ستنقاد إلى اللوبي الموالي لإسرائيل ، أم لا" .

ويرى الرجل أنه على ليس روسيا القيام بأية خطوات لملاقاة الولايات المتحدة ، إلا حين تقدم الأخيرة على تنازلات ما ، وتقوم بخطوات ملموسة ، وألا تتصرف كما الآن ، حيث تبدو وكأنها تساند الأميركيين في ما يفيدهم ، وتمتنع عن الحركة حيث لا يفيدهم الأمر. ويرى أن اللقاء بين بوتين وترامب ليس أمراً ملحاً ، بل يتساءل عن معناه ، إن كان لا يمكن حل أية مسألة خلاله، ويعتبر أن البروباغندا الروسية الموالية للغرب تضخم أهمية مثل هذا اللقاء. ويعتبر أن الولايات المتحدة تفترض ، أنه بمجرد قبولها عقد مثل هذا اللقاء ، على روسيا أن تقدم تنازلات، وهو إذ ينفي أهمية اللقاء، يقول بأنه مجرد أداة شكلية لا يجوز تقديم تنازلات للولايات المتحدة من أجل حصوله .

الحرب الإيرانية الأميركية في الخليج لن تقع ، كما يؤكد كبير الباحثين في معهد الإستشراق الروسي فلاديمير ساجين لموقع "ROSBALT" ذي الميول الشيوعية ، وإن كان الأميركيون وحلفاؤهم يمكن أن يقوموا بشن غارات طيران وتوجيه ضربات صاروخية إلى بعض المواقع الإيرانية . لكن، إن وقعت مثل هذه الحرب،  بسبب عجز الفرقاء عن التحكم بجميع "المصادفات" المحتملة في مثل هذه الأحوال ، فمما لاشك فيه ، بان القيادة الروسية لن تسارع إلى نجدة "حليفها" الإيراني، ولن تخون تقاليد القيادات الروسية بالتخلي عن حلفائها، التي تحدث عنها ألكسندروف ذاك، بل سوف تفيد من هذه الحرب ضد "حليفها اللدود " في سوريا ، وسوف تعرف كيف تصطاد في مياه الخليج العكرة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024