سد النهضة:ماذا بعد مجلس الأمن

شادي لويس

الأربعاء 2020/07/01
بعد عقد من المفاوضات المرهقة التي لم تفض إلى اتفاق نهائي، وصل الخلاف حول سد النهضة إلى مجلس الأمن. جلسة الاستماع التي عقدت مطلع الأسبوع بطلب مصري، كما هو متوقع، لم تصل إلى شيء محدد بدورها. وجه وزير الخارجية المصرية، إلى المجلس، كلمة قوية ومؤثرة، أكد فيها على الخطر الوجودي الذي تواجهه مصر، البلد "الأكثر شحاً في المياه على وجه الأرض"، كما وصفها. من جانبه اعتبر المندوب الإثيوبي، تصعيد المسألة إلى مجلس الأمن، خطوة غير مبررة، بل وضارة، ومن شأنها "تصعيب" المفاوضات والوصول إلى اتفاق نهائي. شددت السودان أيضاً على ضرورة التوصل إلى اتفاق، وأكد مندوبها على الحاجة إلى استئناف المفاوضات. وانتهت الجلسة إلى دعوات من الدول الأعضاء لاستئناف الحوار، لا أكثر، وهو ما طالب به الجانب المصري في أي حال.

تخرج القاهرة بمكسب معنوي محدود من خطوة اللجوء إلى مجلس الأمن، لكنها، في الوقت ذاته، تبدو وكأنها استنفذت مراحل التصعيد في جهودها الدبلوماسية. فالوساطة الأميركية التي تمت بطلب مصري، واعتبرها الإثيوبيون ضغطاً عليهم وتدخلاً غير محايد، انتهت بتحلل أديس أبابا من مسودة الاتفاق التي تم التوصل إليها. أما التصعيد إلى مجلس الأمن، فكان الاتحاد الأفريقي بالفعل قد قطع عليه الطريق بالإعلان عن رعايته لمفاوضات بين دول النيل الثلاث، من شأنها أن تصل إلى اتفاق نهائي في غضون أسبوعين.

ربما تعتبر أديس أبابا أنها خرجت بانتصار لا بأس به من الجلسة، يضاف إلى سلسلة من انتصاراتها في ملف السد. فمرة أخرى، أثبتت أنها قادرة على التصدي للضغوط الخارجية، وإنه لا طريق لإرغامها على التوقف عن أعمال البناء، أو التوقيع على اتفاقات تلزمها بحصص مائية لدولتَي المصبّ. ويبدو مكسب الحكومة الإثيوبية مضاعفاً، وجانب كبير من المسألة يتعلق بدعاية النظام الحاكم داخلياً. فسد النهضة، المفترض به أن يكون أكبر السدود توليداً للطاقة الكهربائية في قارة أفريقيا، لم يتم تصويره فقط كقاطرة للنهضة الاقتصادية في إثيوبيا، بل أيضاً كرمزٍ للكرامة والوحدة الوطنية في إثيوبيا. فبعد عقود من تعاقب الأنظمة الاستبدادية والصراعات الأثنية الدموية والفقر المدقع، يتم الدفع بالمشروع القومي الأكبر في تاريخ البلد الأفريقي، كعنوان لتوحيد الإثيوبيين، في معركة لإثبات استقلال القرار الوطني ضد الضغوط الإقليمية والدولية.

يعيد الخطاب الرسمي الإثيوبي كلمة "الاستعمار" مراراً وتكراراً، في مسألة السد، ما دفع وزير الخارجية المصري إلى الرد على تلك النقطة تحديداً، في مقدمة كلمته لمجلس الأمن، نافياً أن تكون الاتفاقات السابقة لتوزيع الحصص المائية قد تم توقيعها في ظل الاستعمار كما يدعي النظام الإثيوبي. تاريخياً، شن الخديوي إسماعيل حرباً استعمارية على الإمبراطور الحبشي يوحنا الرابع، استمرت تسع سنوات بين 1868 و1876. لا تشغل "حملة الحبشة" سوى حيز هامشي في الذاكرة المصرية، لكن الإثيوبيين الذين انتصروا في تلك الحرب في النهاية، مازالوا محتفظين بصورة لمصر كقوة معادية واستعمارية. وكان موقف القاهرة المؤيد للإريتريين، في حرب الاستقلال ضد إثيوبيا، سبباً آخر للنظر إلى مصر كبلٍد مُعادٍ. وجاء اللجوء المصري للوساطة الأميركية في مسألة السد، ثم التصعيد إلى مجلس الأمن لاحقاً بتأييد من القوي الغربية، تأكيداً للسردية الاستعمارية، ومبرراً إضافياً لتأجيج الحماسة الوطنية الإثيوبية داخلياً، ولذا تصر أديس أبابا على العودة إلى مرجعية الاتحاد الأفريقي.

الأعمال الإنشائية الأساسية في السد، تمّت بالفعل، وباستطاعة الحكومة الإثيوبية البدء في ملء الخزان، على الأقل نظرياً، ولا يبقى أمام القاهرة والخرطوم سوى خيارات محدودة: ممارسة جهد دبلوماسي يمكن التعويل عليه لتحفيز خطوات جدية من المؤسسات الدولية والدول الكبرى للضغط على أديس أبابا، وهو مسار، في ما يبدو، سيأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يأتي بأي نتائج. أو، في أسوأ الحالات، يمكن القبول باتفاقية مؤقتة تنظم عملية الملء الأولى لخزان السد، وهو ما عرضته إثيوبيا في السابق. ويمكن أن يكون هذا حلاً قصير المدى، وعاملاً لتعزيز الثقة بين الأطراف. لكن ترحيل المشاكل بالطبع يثير قلق القاهرة، ولا يبدو حلاً، بل قبولاً بالأمر الواقع، سيجعل عملية التفاوض اللاحقة أكثر صعوبة. أما المسار الأخير فربما يقتضي تقديم كل من مصر والسودان، بعض التنازلات في ما يخص إدارة الموارد المائية في الحالات الاستثنائية. فتعويض النقص في الحصص المائية، في حالة الجفاف الشديد، من مخزون سد النهضة فقط، تعتبره أديس أبابا ظلماً فادحاً، ولذا تطالب بأن يتم التعويض أيضاً من مخزون السدود السودانية والسد العالي. وكذا، ربما على مصر أيضاً أن تخفف من تشككها في الهيئات الإفريقية، وتقبل بآلية أفريقية للتحكيم في الاتفاقية النهائية، وهو ما تميل إليه أديس أبابا. لكن، والأهم من تقديم التنازلات، فربما على القاهرة أن تتوقف عن التلويح بالحرب، طالما أنها ما زالت ملتزمة بمسار التفاوض. فتلك التهديدات أو التلميحات لن تجلب معها سوى ذاكرة "الاستعمار" لدى الإثيوبيين، وعلى الأرجح المزيد من العناد.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024