تفاؤل حذر بالاقتصاد اللبناني

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/05/10
ليس كلام وزير الخارجية ​جبران باسيل​ بعد لقائه رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ في ​عين التينة​ عن وجود مكامن قوة في الاقتصاد والمالية اللبنانية، تضخيماً. هو صحيح نظرياً. وهذا واقع أقر به خلال الأيام الماضية وفد من مؤسسة مالية دولية زار بيروت لإعداد تقرير عن الوضع الاقتصادي والمالي. لبنان قادر على الخروج من الأزمة، ولديه مقومات ذلك. هذا ليس السؤال الذي يُؤرق ذاك الوفد الدولي الزائر، بل لماذا لم يحصل أي تغيير حتى الآن. كان على هذه الإجراءات التقشفية والإصلاحات أن تمر العام الماضي عندما كانت الدول المانحة في مؤتمر "سيدر" تنتظرها لاستثمار وعودها. وحقيقة أن التغيير المالي لم يحدث في الموعد المطلوب، تُساهم في رفع مستوى القلق لأن الثقة باتت مفقودة في هذه الطبقة السياسية، ولأن كلفة التأخير دخلت في مراحل متقدمة جداً.

أولى المشكلات لدى الأوروبيين تتمثل بغياب بنود الشفافية في خطة الكهرباء اللبنانية. في هذا الإطار الزمني الضيق، لماذا يُصر المسؤولون اللبنانيون على التهرب من التزاماتهم؟ فشلوا في التحرك حتى موقتاً من أجل فتح المجال أمام استثمارات في قطاع الطاقة، وأمام إنفاق يُعيد الحيوية إلى النمو الإقتصادي. من يُحاسب على الوقت الضائع؟ ولماذا عدم المبالاة حيال آثار هذا التلكؤ في إقرار الإصلاحات المطلوبة لإعادة تحفيز الاقتصاد اللبناني؟ هذه أسئلة يُعيد الخبراء طرحها وعلكها للتوكيد على عجزهم عن استيعاب السياسة اللبنانية، وتحديداً حصانة هذه الطبقة السياسية حيال أتباعها.

ومن هنا يأتي الحديث إلى الثقافة السياسية السائدة في البلاد. ذلك أن لبنان، وعلى عكس الدول الأوروبية حيث الديموقراطية تُمهد لتغييرات سياسية، أكثر قدرة على تقليص حجم القطاع العام. طرد 20 ألف موظف من القطاع العام، لا يعني احتجاج 20 ألفاً في الشارع. بل يعني عملياً 4500 سني و4500 شيعي وألف درزي وعلوي، ومثلهم من الموارنة والارثوذكس والأرمن والأقليات المسيحية. هذه كتل صغيرة نسبة لعدد السكان وبالامكان ابتلاع نقمتها، ريثما تعود الحيوية الى الاقتصاد اللبناني وتُفتح نافذة فرص عمل جديدة في القطاع الخاص.

قبل إقرار الموازنة، يتحدث الخبراء الماليون عن 3 سيناريوهات بينها الأسوأ والأقل احتمالاً، وهو حرب اقليمية تشهد تدميراً للبنية التحتية اللبنانية وهروباً لرؤوس الأموال، بما يُعجل عملية الذوبان الاقتصادي. الاحتمال الثاني هو عدم إقرار الإصلاحات والتلكؤ بها، بما يُفاقم الأزمة المالية والتوترات السياسية الداخلية، ويؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء سياسة دعم الليرة اللبنانية.

الإحتمال الثالث وهو المرجح إلى الآن رغم التباطؤ، يقضي بإقرار الإصلاحات بمستوى مقبول لدى الدول المانحة، بما يفتح مجال استثمارات واسعة في الاقتصاد اللبناني، من قطاع الطاقة الى المواصلات والسياحة، ويُحفز النمو ويُعيد الحيوية إلى القطاع المصرفي اللبناني. واللافت هنا أن هناك مؤشرات أولية إلى موسم سياحي ناجح هذا الصيف، كفيل بتحريك الأسواق اللبنانية ورفد القطاع بعائدات يفتقر إليها منذ سنوات.

مريح للمجتمع الدولي، كلام باسيل اليوم بأن لبنان ذاهب "إلى موازنة تقشفية جدية" تشمل "محاربة التهرب الضريبي والإصلاح الحقيقي"، وبأن هناك تعاوناً حقيقياً داخل مجلس الوزراء بين الأطراف المختلفة. لكن المطلوب تحرك سريع باتجاه إقرار هذه الإصلاحات، والعودة للمانحين لإطلاق عجلة الاستثمارات في مشاريع البنى التحتية. هذا هو الخيار الوحيد. نافذة الوقت تضيق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024