لبنان في قلب المواجهة مع إيران

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/07/12
لم تكن العقوبات الأميركية الأخيرة على النائبين من "حزب الله" محمد رعد وأمين شري، ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا، سوى اعلان أميركي بأن لبنان ليس بمنأى عن المواجهة. ذلك أن واشنطن تُصعد في استهداف الجناح السياسي للحزب، وتحديداً علاقته بالأطراف السياسية والأمنية اللبنانية. بعثت العقوبات برسالة قاسية مفادها أن واشنطن قادرة على قلب الطاولة لبنانياً بالعقوبات، بغض النظر عن احتمالات الانهيار المالي في لبنان.

وما يرفع منسوب القلق، حقيقة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُمسك شخصياً بسياسة بلاده حيال إيران، كما ظهر في حؤوله دون توجيه ضربة عسكرية بعد اسقاط الحرس الثوري طائرة أميركية، ورغم نصائح مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو. لكن ترامب لا يملك أيضاً استراتيجية متكاملة لمواجهة ايران، وهذا واضح كذلك في التخبط الأميركي غداة كل اعتداء في الخليج. الرجل يتحرك بردات الفعل.

إلا أن ذلك لا يعني ضعفاً أميركياً مزمناً. لدى واشنطن قدرة على توجيه ضربات دون حزام الحرب. لم تستنزف سلاح العقوبات بعد، وإدراج رعد وشري وصفا عليها، كان مؤشراً إلى ذلك. تصعيد الضربات الاسرائيلية في سوريا، وربما خارجها، أحد الخيارات المتاحة. وبإمكان واشنطن أيضاً تضييق الخناق على إيران وحلفائها عبر الخصوم، مثل الصين وروسيا. أليست القمة الأمنية الثلاثية في القدس، والتوتر الإيراني-الروسي اللاحق لها على الأراضي السورية، أحد أصناف الرد في هذه المواجهة الطويلة الأمد؟ بعد اجتماع المستشارين الأمنيين الثلاثة في القدس، نفذت ضربات اسرائيلية واسعة النطاق، ولحقت بها تبدلات أمنية رفيعة المستوى في سوريا. في لبنان، وصلت المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي في خصوص الحدود المتنازع عليها، إلى طريق مسدود. والآن، تأتي العقوبات لتأكيد مسار التصعيد الأميركي.

وواشنطن قادرة أيضاً على محاولة ثني الصين عن شراء النفط الإيراني نهائياً، في سياق صفقة تجارية أشمل. هذه خيارات مُتاحة. لكن الرئيس الأميركي يعمل بالقطعة في سياسته الإيرانية، ولن نرى تصعيداً منسجماً في سياسة متكاملة، أو على الأقل، متوقعاً. لن يتهور ترامب بالحرب، هذا أكيد. لكن في العقوبات، يبدو أن الرجل أقل تحفظاً، وقد لا يتردد في تدمير اقتصاد دولة لتوجيه رسالة.

من هذا المنطلق، يجب قراءة الرسالة المزدوجة المرفقة مع العقوبات الأميركية الأخيرة على "حزب الله". أولى الرسالتين إلى حلفاء "حزب الله" في الحكومة، ومضمونها تحذير من مواصلة التعامل معه.

الرسالة الثانية إلى الأوروبيين، بأن عليهم رفع زيادة الضغوط على "حزب الله" من خلال اعتبار جناحه السياسي ارهابياً أيضاً، وربما الانضمام لاحقاً الى قطار العقوبات. والحقيقة أن الأوروبيين لن ينتظروا طويلاً بما أن التوتر بدأ يتصاعد ويشمل اعتداءات على مسار ناقلات النفط في الخليج، وانسحاباً ايرانياً تدريجياً من الاتفاق النووي. بعد 60 يوماً، قد نرى بعض القوى الأوروبية تنضم الى الولايات المتحدة في مواجهتها مع الجانب الإيراني، عبر العقوبات وغيرها. إلا أن للملف اللبناني ومن ضمنه "حزب الله"، حسابات أخرى لها علاقة أولاً بدوره في التصعيد المرتقب بين طهران والغرب.

لو فعلها، سيعود "حزب الله" الى حقبة الثمانينات من تاريخه، ويُعيد معه لبنان إليها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024