الحرب المصرية في ليبيا

شادي لويس

الأربعاء 2020/06/24
الحرب مثيرة. أفلام الحروب وروايات الحروب أكثر إثارة، تمنح المتعة نفسها لكن من دون تبعات أو مخاطرة. الحروب المعاصرة تشبه لعبة فيديو، أكثر منها رواية فرسان، الحروب بمعناها الأميركي، تلك المصورة من أعلى، لغارات تومض فيها بقع من الضوء الفسفوري في شاشات رمادية، الحروب من السماء، بمعاركها نصف الإلهية. حروب الفروق الهائلة في القوى، بلا التحام أو مواجهات بين جيوش متكافئة أو غير متكافئة، الخصوم يبدون من أعلى كأسراب النمل، يتم مسحها بسلسلة من الومضات المكتومة. 

طبول الحرب في القاهرة تثير أنصار النظام ومعارضيه، على السواء. السيسي يعلن استعداده لتسليح القبائل الليبية، ويضع خطوطاً حُمر، هي سرت والجفرة. حرب أميركية تماماً، في مخيال أنصارها، بغارات جوية كالتي شنتها مصر من قبل على مدن الساحل الليبي، كإجراءات انتقام استعراضي. حرب تُشن على "قبائل"، وبواسطة "قبائل" أخرى، خيالات استشراقية لطالما تصورت الجار الليبي كمنطقة نفوذ أو صحارى يعيش سكانها القلائل في الماضي السحيق.

الحرب، حقيقية أو متخيلة، هبة النظام العسكري، والعكس أيضاً. حروب طواحين الهواء التي شنها نظام 30 يونيو لسنوات، تتحول إلى حقيقة، العسكرة التي فُرضت على المجال العام، حروب المسلسلات الرمضانية، هلاوس حروب الجيل الخامس، النبش في معارك بضعة قرون مضت، مواجهات سليم الأول وطومان باي التلفزيونية.. كل هذا على وشك أن يضحى حرباً، أو يكاد. العثمانيون الذين كانوا أشباحاً ومؤامرات بعيدة، أصبحوا طائرات بيرقدار المسيّرة من بُعد، ومليشيات تركمانية تقترب من الحدود الغربية. الحالمون بالخلافة، بدولة الإسلام العابرة للقوميات واللغات والحدود، يهللون للحرب، ويقفون مع الطرف الآخر بالطبع. هؤلاء يجعلون مهمة نقد الحرب أو التشكيك في دوافعها، مهمة عسيرة، أقرب إلى الخيانة. البعض الآخر من معارضي النظام، لا يجد أمامه سوى التماهي كخيار وحيد.

يدعو عمر حمزاوي، على سبيل المثال، في مقال له إلى "الاصطفاف الوطني" و"الاصطفاف مع الحكم" وإلى "شراكة حقيقية" معه. ربما سيقبل النظام بالاصطفاف خلفه، وإن كان لا يحتاجه، فهو يفرضه قسراً بأي حال. لكن الشراكة تبدو مجرد أمنيات حسنة النية من مناهج أقسام "الاقتصاد والعلوم السياسية" في جامعة تقليدية. لا يدعو حمزاوي للتوقف عن النقد، بل لاقتصاره على القضايا الاقتصادية والاجتماعية ومسألة الحريات، لكن لا حديث عن الحرب أو السياسية الخارجية.

الحرب تصعب مقاومتها. الحياد خيار خطر، بدافع الوطنية أو المصلحة أو المصير أو الضرورة، يفرض عليك أن تكون مع أو ضد، الحرب هي موقف السؤال الوحيد والإجابات المحدودة جداً والجاهزة. الأسئلة عن مسؤولية وصول الوضع إلى ما وصل إليه، عن الرهانات المصرية الخاطئة التي ثبت فشلها اليوم، عن العجز عن حسم المعارك المستمرة منذ أكثر من عامين حول طرابلس، وسوء التقدير الذي لم يتح التوصل إلى حلول وسط مع حكومة الوفاق، كل هذه تبدو أسئلة محرمة ما دامت هناك حرب، أو متأخرة جداً في أفضل الحالات.

الحرب، بعيداً من فانتازيا القبائل وغارات ألعاب الفيديو، تبدو شئياً آخر. الأميركيون لم يستقبلوا التصريحات المصرية بشكل جيد. ماكرون، على العكس، يصف التدخل التركي باللعبة الخطرة ويتفهم القلق المصري. الألمان الراغبون في لعب دور القوى العظمى الصاعدة في أوروبا، شجبوا تصريحات السيسي بلغة مخففة. يبدو موقف الروس ضبابياً، حتى اللحظة، بقدر غموض الخطوط الحُمر المصرية، فليس واضحاً إن كانت هي دخول سرت والجفرة، أم التقدم بعدهما في اتجاه الشرق. الأتراك يطلقون تصريحات استفزازية، أما حكومة الوفاق فتصدر إشارات متناقضة، مرة لطمأنة المصريين ومرة لإثارة غضبهم. لكن يبدو أن أحداً لا يرغب حقاً في حرب شاملة، ولا أحد يملك تفويضاً أو سبباً كافياً لشنها.

الأغلب أن تستمر الحرب بالوكالة، بتدخلات محدودة، لكن أوضح، من الأطراف الخارجية، مع المزيد من الشد والجذب، سيدفع ثمنه الليبيون وحدهم بالطبع. أما في مصر، فالحرب المعلنة، سواء كانت حقيقية أم لا، فلا توحى سوى بفرض المزيد من القمع.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024