فضيحة الثورة..وإنجازها الوحيد

ساطع نور الدين

الأحد 2020/10/18
فكرة إحياء الذكرى السنوية الاولى لإنتفاضة الشعب اللبناني، كانت خاطئة، فاضحة، مخيبة للأمل في ان يتحول السابع عشر من تشرين الاول الى تقليد سياسي سنوي.. مناسبة لتشكيل ذاكرة لبنانية جديدة تمحو ما حفظته الاجيال السابقة من مآس وكوارث.

لن يتكرر الخطأ العام المقبل، ولا العام الذي يليه، عندما يكون الجمهور اللبناني خارجا للتو من سنة انتخابية صعبة، لا يعرف أحد من الآن ما هي فرص الجيل الجديد بالتقدم، وفرص الجيل القديم بالتواري.

كان يمكن الاستغناء عن الدعوة-الدعوات الى السنوية الاولى، الكاشفة لكل عيوب العام الماضي، الذي زاد فيه غضب المواطنين، وتفاقم فيه إضطراب السلطة وفراغها.. لكن ليس الى الحد الذي يعيد ملء الساحات والشوارع بالغاضبين، الذي كان لديهم أكثر من سبب إضافي للتعبير عن مشاعرهم، لكنهم لا يعرفون العنوان الذي يفترض أن يتوجهوا إليه، ولا المنصة التي يمكن ان يتجمعوا حولها لسماع خطابات التحليل والتقدير والتوجيه. حتى ذلك الإجراء البسيط الذي يتخذ في مستهل أي ثورة أو إنتفاضة او حركة شعبية، كان بعيد المنال.

لا يلام الجمهور اللبناني لأنه لم يغادر مساكنه. حتى نصوص الدعوات التي جرى تداولها في الاسابيع القليلة الماضية في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كانت تتحدث عن المناسبة بصفتها مهرجاناً مفتعلاً لفلكلور متوهم.لا حديث عن مقدمات،عن إقتراحات، عن أولويات، بل تعداد ل" إنجازات" خياليه، منها إسقاط حكومتين.. مع أن الاولى، اي حكومة سعد الحريري، وكما يتأكد الآن بالذات، لم تستقل إستجابة لنداء الشارع ، وإنما سقطت نتيجة إحتدام الصراع بينه وبينه الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، والشكوك والظنون المتبادلة بينهما، بأن  الآخر ينوي رمي مسؤولية الازمة عليه وحده. أما الثانية، أي حكومة حسان دياب، فإن الرئيس نبيه بري هو الذي اطاح بها بشكل حاسم وخاطف، عندماا إنتهكت الخط الاحمر لقواعد اللعبة السياسية بإقتراحها إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وإعادة جذور الازمة وحلولها الى مجلس النواب.

ولحسن الحظ، فإن الداعين الى السنوية الاولى لم يخاطروا في سرد أي من "الإنجازات" الاقتصادية التي تحققت العام الماضي، والتي أثبتت أن إصلاح القطاع المصرفي العام والخاص، ومكافحة الفساد، وغيرها ليست سوى أحلام، عجز العالم كله عن تفسيرها.. وعن فهم سر عناد السلطة اللبنانية وتصلبها في مقاومة أي عملية إصلاحية مهما كانت بسيطة وملحة، وعن فهم سر إنطفاء تلك الحركة الشعبية، التي كانت واعدة بقيامة لبنانية حقيقية.

يمكن ان يبقى بعض الذكريات الجميلة من العام الماضي، لكنها لن تحفر لنفسها مكاناً في الوعي-النضج السياسي اللبناني، الذي عبر عن واحد من أهم تجلياته في خريف العام الماضي، عندما كان الحد الادنى للتقديرات يعطي الجيل الجديد من الشبان والشابات الذين بلورت الساحات تجربتهم، ما يقرب من نصف مقاعد مجلس النواب المقبل.. أما اليوم، وبعدما ظهر من هزال الذكرى السنوية الاولى وبهتانها، فإنه يصعب تصور قدرة هذا الجيل على تعديل فقرة واحدة من قانون الانتخاب الحالي، فكيف بقدرة مرشحي ومرشحات ذاك الجيل على الفوز ولو بمقعد واحد في ذلك النادي المغلق لأمراء الحرب الاهلية ولورثتهم ومريديهم الخلّص.

ثمة أمل وحيد بالاصلاح والتغيير،عدا الرهان على قوانين الطبيعة، هو أن السلطة التي عجزت حتى الآن عن إحتواء الازمة الاقتصادية والمعيشية، التي تسببت بها أصلاً، ستشهد المزيد من الصراعات بين أركانها، بناء على التعهدات التي قطعها على أنفسهم الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، بأن يحطموا بعضهم البعض مهما كان الثمن.

وهذا ربما هو إنجاز الثورة ومكسبها الوحيد، الذي يمكن تفاخر به.. مع العلم أنها لم تكن سبب ذلك الصراع الثلاثي، بل صاعق تفجيره المدمر. والأمل ان يبقى من الحطام الذي يراكمه الرؤساء الثلاثة اليوم ما يمكن البناء عليه للمستقبل.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024