الرهان الروسي على سيف الإسلام

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/01/11

عامان ونصف العام هي طول فترة غياب سيف الإسلام القذافي عن الأنظار منذ اعلان كتيبة عسكرية في الزنتان عن إطلاق سراحه، حتى ساد اعتقاد بوفاته بين الليبيين. فإذا كان زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري لا يغيب عن أنصاره مثل هذه المدة، فكيف بسيف وهو بين أنصاره وأقاربه في ليبيا؟

لم يُبدد هذا الاعتقاد سوى حملة إعلامية وسياسية روسية للترويج لعودة نجل الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي الى الساحة السياسية من بوابتها العريضة: الإنتخابات الرئاسية المقبلة. توحي التغطية الليبية في "سبوتنيك" و"روسيا اليوم"، بأن روسيا تتبنى بحماسة نجل الزعيم الليبي في المرحلة المقبلة، وتنافح بقوة عن لعبه دوراً في العملية السياسية. حتى في لبنان، رُصدت ضغوط روسية للإفراج عن هنيبعل القذافي، شقيق سيف الاسلام.

لكن لماذا اختيار الروس ليبيا في هذه المرحلة؟ طبعاً، الفراغ موجود ويفتح أبواباً لتدخل من هذا النوع يكسر الجمود على الساحة الليبية. لكن هناك أيضاً مكانة لليبيا في الاستراتيجية الروسية على ارتباط بعقود بمليارات الدولارات خسرتها موسكو بعد سقوط نظام القذافي. على سبيل المثال، خسرت موسكو صفقات أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار أميركي، وعقداً بمليارين ونصف المليار دولار لبناء خط قطار سريع بين سرت وبنغازي. حالياً، تعمل موسكو على إحياء هذه العقود من خلال علاقتها بالجنرال خليفة حفتر. كما تتولى الآن تصدير مليون طن من القمح بقيمة 700 مليون دولار أميركي سنوياً إلى ليبيا. هناك فوائد مادية مباشرة لاستعادة العلاقة المميزة والاستراتيجية مع ليبيا.

استراتيجياً، موقع ليبيا على البحر المتوسط، وعلى مقربة من الشواطئ الجنوبية لأوروبا، يُساعد الروس في مواجهتهم الطويلة الأمد مع الأوروبيين، وتحديداً مع الحلف الأطلسي (الناتو). وبالفعل، بدأ الدور الروسي المتنامي يُثير قلقاً أوروبياً، بحسب تقارير اعلامية وأمنية غربية. على سبيل المثال لا الحصر، نقلت صحيفة "ذي صن" البريطانية عن مصادر أمنية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي أن قادة الإستخبارات حذروا رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، من التحرك الروسي في ليبيا لتشكيل "خنّاقة" على عنق أوروبا. وفقاً للتقرير ذاته، أبلغ قادة الاستخبارات رئيسة الحكومة البريطانية بأن ليبيا هي "سوريا الجديدة" لبوتين، ويهدف عبرها إلى السيطرة على أهم طريق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. يعمل الروس على تدريب قوات حفتر، ولديهم فريق من القوات الخاصة والإستخبارات العسكرية في طبرق وبنغازي، بحسب المصدر عينه.

هذه العلاقة الوطيدة بحفتر الذي زار موسكو قبل شهرين فقط، تُثير أسئلة حيال الدعم المتنامي لسيف الإسلام. ذلك أن أي دور لسيف الإسلام سيأكل من نصيب الجنرال الذي يسيطر على الأرض، ولم شمل رجالات النظام السابق. والواضح أن حفتر يُحضّر ولده صدام، أحد ضباط جيشه، ولن يرضى بتسليم سلطته على طبق من فضة إلى سيف. والأرجح أيضاً أن ضباطاً كباراً في جيش حفتر لن يقبلوا بهذا الإنتقال السلس. ذلك أن سيف اليوم لا يملك سوى رصيد بعض حنين الليبيين لاستقرار نظام والده، وربما بعض التأييد وسط القبائل الموالية. كل ذلك لا يرقى إلى شيء في دولة يحكمها السلاح، وفيها حكومتان وعشرات الميليشيات والتنظيمات.

السبيل الوحيد أمام دور سياسي لسيف الإسلام يكمن في الاعتراف بسُلطة حفتر والتحالف معه تحت المظلة الروسية. وتُساعد في ذلك حقيقة أن صحة حفتر (75عاماً) تتدهور واحتمالات وفاته تُثير قلق حلفائه. كما أن ولده صدام يُراكم فضائح مالية تُقلّص من حظوظه بتسلم المنصب من والده.

في المقابل، بإمكان سيف الإسلام أن يُشكل رافعة سياسية لفريق حفتر بما يتيح لتقدم في مواجهة خصومه. هنا ربما ترى موسكو فرصة لاكتساب دولة خسرتها قبل 8 سنوات، لكن من دون هذا الرهان مصالح أوروبية لا بد أن تتبلور سياسياً في الفترة المقبلة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024